بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

كاريزما

ورحل صنع الله إبراهيم

قابلت صنع الله إبراهيم لأول مرة فى مكتب الدكتور لويس عوض فى صيف عام ١٩٨٤. تحولت الجلسة بعد دقائق إلى ندوة ثرية فأنا أمام قامتين من كبار رجال الفكر والأدب والنضال، فكلاهما عاش تجربة الاعتقال ومصادرة الكتب وغير ذلك من الأمور التى جعلت هؤلاء الأدباء المعتقلين يحبون السجون، خاصة إذا كانت ملهمة لأعمال أدبية.. صنع الله إبراهيم كان يقول عن سنوات المعتقل إنها مدرسة تعلم فيها قيما - ايجابية أو سلبية - عن قاع المجتمع. 
** رواية اللجنة كانت إحدى ثمار سنوات السجن السياسى ولكن الحقيقة أن أغلب أعماله بها الكثير من ظلال وروح المعتقل مثل يوميات الواحات وغيرها.
** إن المدخل الذى حدد لصنع الله إبراهيم إطار قراءته الواعية لنظام الحياة فى مصر مدخل ذو طبيعة مزدوجة، ويشتبك هذا بأهمية التراث ودوره فى تشكيل الحاضر فى اعادة صياغة التراث، وهو أمر يعود إلى خطاب النهضة التنويرى. وكانت الأزمة هى كيف يصل هذا الفكر إلى السواد الأعظم، ربما كان من حظ المشاهدين للدراما على مستوى واسع هو تنفيذ رواية (ذات) التى اخرجتها المخرجة الواعية كاملة أبو ذكرى. الكثير من الجماهير المصرية والعربية عرفوا صنع الله إبراهيم من هذا المسلسل، وبدأ الإقبال يزيد على قراءة ذات وأخواتها عرف الناس أعمالا أدبية أخرى لصنع وكأنها تكتشف كنزاً من الثراء الفكرى.
** فى رواية برلين ٦٩ نرى بجلاء الحياة فى برلين عام ١٩٦٩ مع التركيز على واقع الانقسام بين الشرق والغرب وتأثيره على حياه الناس خاصة العرب والاكراد الذين يعيشون هناك، تكشف الرواية بعمق وعبقرية نادرة فى الكتابة الروائية، معاناة الألمان بعد بناء سور برلين وتوثق فى ثورة الشباب فى نهاية الستينيات من القرن الماضى، بالاضافة إلى تفاصيل الحياة الاجتماعية والثقافية فى المدن الكبرى والصغرى..، وأعتقد - على ما أعلم أن هذه الرواية - سباقة على تأريخ هذه الأحداث المهمة التى غيرت من شكل العالم خاصة فى التسعينيات من القرن الماضى، التحول الذى رمى إلى حذف الكثير من القيم والتقاليد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الثابتة وتحويلها - بعنف وشدة - إلى دوامات من الفوضى.
** ينطلق صنع الله إبراهيم من مقولة شائعة عند عديد من المفكرين فحواها أن الثقافة العربية عموماً والمصرية على وجه الخصوص، تعانى من ازدواجية تقسمها إلى ثقافتين، أو بالأحرى إلى تيارين تيار شرقى هو الأوسع شعبياً على مستوى واسع فى غالبية أقطارنا العربية وعلى علاقة منصهرة مع التراث العربى العتيق - وقد حاول البعض من المفكرين عودة هذا التراث العربى دون تطوير أو دعم من أساليب الحداثة، فكان الناتج هو هذا الانغلاق الثقافى بدأ فى سنوات السبعينيات من القرن الماضى وللاسف لا يزال يرمى بظلاله على المجتمعات المصرية والعربية ومعه يتم تدمير أساليب الحداثة بأشكالها.. هذه القضية كانت محور تفكير صنع الله إبراهيم، وقد تركت بصماتها واضحة شاملة فى أغلب رواياته. وكانت أيضا محور تحريك احداث أعماله.
** ولهذا فقد تميزت روايات صنع بتوثيق ذلك مختلطة مع سيرته الذاتية، من جهة ومع تاريخ مصر من ناحية أخرى. ظهر ذلك واضحاً فى - اللجنة - والتى نشرت متأخرة عن تاريخها عام ١٩٨١ وفيها هجاء ساخر لسياسة الانفتاح الاقتصادى الذى انتشر فى عهد السادات وقلب موازين الشعب المصرى. وحياته وتاريخه..
وللاسف لاتزال
** كنت حاضراً فى حفل توزيع الجوائز فى مؤتمر الرواية العربية عام ٢..٣ فى الأوبرا المصرية ورفض صنع الجائزة وقال بصوت شامخ إنها جائزة أمريكية الرائحة واعتذر عنها وكان حدثا مهما.
** فاز صنع الله ابراهيم بمجموعة من الجوائز العربية أهمها جائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2004 وجائزة كفافى للأدب عام ٢0١٧ وغيرهما.
ترك صنع تراثًا أدبيا راقيا فى مجال الرواية. أتمنى من الشباب العربى أن يعيد قراءته. وأتمنى من هيئة الكتاب طبع أعماله فى طبعات شعبية تتيح للشباب قراءته. أيضا أتمنى من وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى، تدريس روايات صنع الله على مستوى أوسع لقيمتها الفكرية.

[email protected]