بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

بعد القبض على «شاكر» و«أم مكة» و«أم سجدة» و«مداهم»

«التيك توك».. مستنقع نفايات أخلاقية

بوابة الوفد الإلكترونية

«الكوينز» عملة «الدارك ويب» الافتراضية لتبييض مليارات الدولارات

 

دعوات لإغلاق التطبيق لارتباطه بتجارة الأعضاء

 

اللواء أحمد طاهر: الدولة تتحرك لمواجهة «حروب الجيل الخامس»

 

فى ظل الانتشار الواسع لتطبيق تيك توك فى مصر، ظهرت فئة جديدة من المشاهير الذين يُعرفون بـ«التيك توكرز»، والذين أصبحوا ظاهرة مجتمعية يتبعها ملايين الشباب والأطفال، ومع تزايد تأثيرهم، برزت تساؤلات حول مصادر تمويلهم، خاصة مع ملاحظة توجه البعض إلى صناعة محتوى يُصنّف بأنه غير أخلاقي، مستفز، أو سطحي، بهدف جذب أكبر عدد من المشاهدات والمتابعين. 
وشهدت مصر مؤخرًا حملة أمنية قوية قادتها وزارة الداخلية لاستهداف صناع المحتوى على منصة تيك توك، خاصة أولئك الذين يقدمون محتوى غير أخلاقي أو ينتهكون القيم المجتمعية. هذا التحرك الأمني طرح تساؤلات ملحة حول مصادر تمويل «التيك توكرز» واتجاههم نحو غسيل الأموال، وكيفية استغلالهم للمحتوى غير اللائق كاستراتيجية لتحقيق الأرباح.
فى الوقت نفسه أصبح غسيل الأموال تحديًا عالميًا، وتُظهر تقديرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن حجم الأموال المغسولة عالميًا يتراوح بين 2.2 و3.7 تريليون دولار سنويًّا، أي ما يعادل 3% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. 
ومع التطور التكنولوجي، يجد المجرمون طرقًا جديدة ومبتكرة لإخفاء مسارات أموالهم، وآخر هذه الملاذات هو تطبيق «تيك توك» الذي أصبح قبلة لغاسلي الأموال حول العالم.
عملة «الدارك ويب» الجديدة
يُعتبر «تيك توك» من أكثر التطبيقات ربحًا، لأنه أصبح أداة فعالة فى أيدي مجرمي غسيل الأموال. والسبب الرئيس وراء ذلك هو عملته الافتراضية «الكوينز» (Coins). هذه العملات تُشترى بأموال حقيقية وتُقدم كهدايا لصناع المحتوى، الذين يقومون بتحويلها إلى أموال نقدية مرة أخرى.
هذا النظام يُوفر «ملاذًا آمنًا» لمجرمي «الدارك ويب» (Dark Web)، الذين يجنون مليارات الدولارات سنويًّا من أنشطة إجرامية مثل تجارة المخدرات، النصب والاحتيال، وسرقة الحسابات البنكية. فبدلًا من التعامل مع أنظمة مصرفية تقليدية تخضع للرقابة، يمكنهم استخدام «الكوينز» كوسيلة لـ «تبييض» أموالهم، ما يجعل تتبعها صعبًا للغاية.
يذكر أن تطبيق «تيك توك» قدم ميزة البث المباشر (LIVE) فى عام 2019، وسرعان ما أصبحت شديدة الشعبية، ما شكَّل مصدرًا رئيسا لإيرادات الشركة، وفى العام نفسه، أضافت TikTok ميزات تحقيق الدخل التي تسمح للمستخدمين بشراء «العملات» (Coins) وإرسالها كهدايا افتراضية خلال البث المباشر، ويمكن للمستلمين تحويل هذه الهدايا إلى أموال حقيقية.
كشف المهندس محمود فرج، خبير أمن المعلومات، عن آليات عمل التطبيق ومخاطره الخفية، التي قد تتجاوز المحتوى غير الأخلاقي لتصل إلى شبكات إجرامية منظمة.
وأوضح «فرج» أن فكرة تيك توك الأساسية تقوم على الفيديوهات القصيرة سريعة الانتشار. وتعتمد المنصة بشكل كبير على خوارزميات الذكاء الصناعي، التي تقوم بتسجيل اهتمامات المستخدمين وتصفية الفيديوهات التي تظهر لهم بناءً على ما يفضلون مشاهدته. هذه الآلية هي ما يفسر الانتشار الواسع لشخصيات «التيك توك» التي تم القبض عليها مؤخرًا، فبمجرد متابعة المستخدم لمحتوى معين، حتى لو كان بغرض السخرية أو الفضول، فإن خوارزمية التطبيق تسجل هذا الاهتمام وتستمر فى عرض محتوى مشابه، ما يزيد من شهرة هذه الشخصيات.
ويُشير «فرج» إلى أن هذا الانتشار يخلق حافزًا قويًّا لصناع المحتوى للاستمرار فى تقديم محتوى مثير للجدل، حتى لو كان غير هادف، لأن هذا النوع من المحتوى يحقق تفاعلًا عاليًا يترجم إلى أرباح. وللأسف، فإن بعض الشباب يرى فى هذه الشخصيات قدوة، ويحاول تقليدها، ما يؤدى إلى انتشار هذا النوع من المحتوى فى المجتمع.
والربح الرئيس لصناع المحتوى هو من البث المباشر، إذ يقوم المتابعون بإرسال هدايا افتراضية لها قيم مالية مختلفة. هذه الهدايا تُشترى بأموال حقيقية وتُحول إلى «كوينز» (Coins) داخل التطبيق، ثم يتمكن صانع المحتوى من تحويلها مرة أخرى إلى أموال نقدية.
وفيما يخص الجانب المظلم من هذه العملية، يُشير المهندس محمود فرج إلى ما أثير مؤخرًا حول دور التيك توك فى عمليات غسيل الأموال. موضحًا أن بعض المحامين قدموا بالفعل بلاغات أثارت هذه القضية، كما بدأت تظهر قضايا أخرى تتعلق بـ «بيع أعضاء» و«بيع أطفال» عبر المنصة ما يُدخل الأمر فى مسار إجرامي خطير وغير طبيعي.
وينفي فرج أن يكون رجال الأعمال الحقيقيون هم من يتابعون هذا المحتوى، بل يؤكد أن الوكالات الإعلانية هي التي تستخدم هؤلاء المؤثرين للترويج لمنتجاتها المختلفة، وهو ما يمثل مصدرًا آخر للأرباح.
وفى ختام حديثه، أثنى المهندس فرج على الخطوة التي اتخذتها الأجهزة الأمنية فى مصر، واعتبرها ضرورية وقوية لمنع انتشار الفساد فى المجتمع. مؤكدًا أنه يجب اتخاذ إجراءات قوية ضدهم فى حالة ثبوت التهم عليهم.
مشاهير الإسفاف
وكانت وزارة الداخلية قد قادت حملة أمنية موسعة أدت إلى القبض على عدد من مشاهير المنصة، من بينهم «أم مكة» و«أم سجدة»، ووجهت إليهما تهمًا تتعلق بنشر محتوى إلكتروني غير أخلاقي، وتشويه القيم، والتحريض على الفسق والفجور، بجانب غسل الأموال والاتجار فى المخدرات لبعضهم، ووفقًا للتحقيقات، اعترفت «أم مكة» و«أم سجدة» بأن الدافع الرئيس وراء هذا المحتوى هو زيادة نسب المشاهدات وتحقيق الأرباح المالية.
كما اتخذت وزارة الداخلية إجراءات قانونية ضد صانع المحتوى الشهير بـ«مداهم»، بتهمة غسيل أموال بقيمة 65 مليون جنيه. جاء ذلك بعد أن نشر «مداهم» مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبرت اعتداءً على قيم المجتمع، وحاول إخفاء مصدر الأموال عبر شراء عقارات وسيارات وتأسيس شركات. 
«مداهم» لديه أكثر من 3 ملايين متابع، وأكد فى بث مباشر على صفحته منذ أشهر للرد على شائعات تورطه فى الأمر قائلًا: «الحمد لله عمري ما غسلت 10 آلاف جنيه حتى، وأقسم بالله أتعرض عليَّ 4 مرات، ولله الحمد مانفذتش مع حد علشان مش وش الكلام ده، ولله الحمد».
وأبدى «مداهم» استعداده لكشف حساباته البنكية كافة قائلًا: «عندى استعداد أواجه أي حد بحساباتي البنكية، أنا نضيف من أول يوم دخلت فيه البرنامج، وهفضل نضيف لحد ما أرحل منه، عندي استعداد أواجه أي حد وأوريهم حساباتي البنكية، ويطلعوا على حسابي على التيك توك، أنا ولله الحمد سككى كلها ميري». مضيفًا: «أغلب اللي بيغسلوا أموال بتكون أكاونتات مجهولة».
ومن جانبه، قال «م. سامي»، بلوجر، لديه 1.6 مليون متابع على فيس بوك، فى تصريحات لـ«الوفد»، إن محتواه يستهدف التفاعل والتعليق على محتوى فيديوهات «تيك توكرز»، بهدف السخرية منهم وتدني المحتوى الذي يقدمونه بهدف الربح السريع، دون النظر لقيم المجتمع وأعرافه وتقاليده، والمستوى الأخلاقي، مؤكدا أنه يتجنب الطرق غير المشروعة فى التربح من منصات التواصل الاجتماعي. 
وأوضح اللواء أحمد طاهر، الخبير الأمني، أن الضربات الموجهة من وزارة الداخلية لمن عرفوا بمشاهير «السوشيال ميديا» ليست الأولى من نوعها، لكنها استجابةً لـ«نبض الشارع المصري» الذي قدم تفويضًا شعبيًّا للأجهزة الأمنية لتطهير الفضاء الإلكتروني.
وأشار طاهر فى تصريحات لـ«الوفد» إلى أن منصات التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد أدوات للتواصل، بل تحولت فى أحيان كثيرة إلى منصات تروج لـ«انحدار قيمي خطير» عبر محتوى سريع الانتشار، بهدف الربح السهل. 
وأكد «طاهر» أن الاتهامات الموجهة للمتهمين لا تقتصر على الجوانب الأخلاقية فقط، بل تتنوع قانونيًّا وتشمل: نشر محتوى يخل بالآداب العامة ويشجع على الانحلال، التحريض على الفسق والفجور طبقًا لقانون مكافحة الآداب، إذاعة أخبار كاذبة وتضليل الجمهور، الاستفادة غير المشروعة من المنصات لتحقيق أرباح مادية بطرق مخالفة، وصلت فى بعض الحالات إلى جناية الاتجار بالبشر واستغلال القصَّر.
وشدد اللواء طاهر على أن المحتوى الهابط له أثر سلبي كبير على الشباب والمراهقين، الذين يقعون فريسة لـ«نماذج تروج للثراء السريع دون مجهود»، ما يخلق حالة من الإحباط ويفقد الثقة فى القيم الحقيقية للنجاح والعمل.
وربط طاهر بين هذا المحتوى وبين حروب الجيل الخامس، حيث يهدف ذلك المحتوى إلى «تفكيك الأسرة والانتماء الوطني من الداخل». ويُشير إلى أن بعض الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، تستخدم هذه المنصات لنشر محتوى موجه فى صورة آراء أو تحليلات تحمل فى جوهرها «مضامين تحريضية وأفكارًا مسمومة» تستهدف الشباب بشكل خاص.
وفيما يخص الجدل حول حرية التعبير، يرى اللواء طاهر أن الخط الفاصل واضح قانونيًّا، لكنه «ضبابي مجتمعيًّا» بسبب غياب الوعي الرقمي. ويؤكد أن حرية التعبير ليست مطلقة، بل مقيدة بعدم المساس بالثوابت، وعدم نشر ما يهدد الأمن العام، أو يروج للشذوذ، أو يهين رموز الدولة.
كما يوضح أن الجريمة الإلكترونية تشمل كل محتوى يحرض على العنف أو الفتنة، أو ينشر أخبارًا كاذبة، أو يخدش الحياء العام، أو يروج لأفكار متطرفة. ويدعو إلى البحث وراء من يدعمون هذا المحتوى من خلال الإعجابات والمشاركات والدعم المالي.
ويؤكد اللواء طاهر وجود «شبكات إجرامية منظمة» تستخدم روبوتات إلكترونية ومتابعين مزيفين لصناعة نجوم وهميين بهدف التربح السريع، وتلميع أشخاص لهم ماضٍ إجرامي، واستخدامهم كأدوات سياسية لإثارة الرأى العام.
مشيرًا إلى أن كثيرًا من صناع المحتوى يتلقون دعمًا ماليًّا «غير قانوني» يصنف ضمن «المال المشبوه»، الذي يأتي من جهات معادية، بهدف نشر الفكر الشاذ وتدمير قيم المجتمع، وهذه الأموال تأتي من مصادر غير واضحة.
وشدد اللواء طاهر على أن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب تحركًا مجتمعيًّا يبدأ من الأسرة، مرورًا بالمدرسة والإعلام. ويدعو الأسر إلى مراجعة ما يراه أبناؤهم، والخبراء إلى رصد هذه الأنشطة وتقديم الأدلة الرقمية.