بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

نظره امل

مجلس الشيوخ هو عقل الدولة المفكر

فى اللحظة التى تعانى فيها كثير من دول المنطقة تفكك مؤسساتها وتآكل فكرة الدولة ذاتها، تتحرك مصر بخطى محسوبة نحو استكمال بنيانها السياسى والدستورى، لم يعد الأمر متعلقا بإجراء انتخابات أو استيفاء نصوص دستورية، بل بترسيخ منطق الدولة الحديثة، التى لا تدار بردود الفعل، بل بمؤسسات تفكر وتزن وتراجع وبناءً عليه تتخذ القرار.

ومن بين هذه المؤسسات يبرز مجلس الشيوخ كواحدة من أدوات التوازن السياسى والفكرى داخل الدولة،فوجوده لا يُقاس بما يصدر عنه من قرارات، بل بما يمنحه من عمق للنظام، واتزان للمشهد، وقدرة على التفكير من خارج دوائر الضغط والانفعال، ففى أعقاب ما يمكن تسميته بإعادة التأسيس السياسى للدولة المصرية عقب أحداث 2013، عكفت الدولة على ترميم بنيانها التشريعى والدستورى، ليس فقط بإعادة صياغة القوانين أو استحداث وثائق حاكمة، بل ببناء مؤسسات قادرة على قراءة الواقع والتفاعل معه بوعى ومسئولية وكان من بين أبرز تلك الخطوات، إعادة تشكيل مجلس الشيوخ بوصفه جزءا من العمود الفقرى للنظام النيابى المصرى.

المتابع لتجربة مجلس الشيوخ خلال السنوات القليلة الماضية يدرك أنه لم يكن كيانا صوريا، بل شارك بفاعلية فى صياغة السياسات العامة، وناقش القضايا التى أحالها إليه رئيس الجمهورية، وقدم رؤى تكميلية داعمة لمجلس النواب، وفتح المجال أمام شخصيات من خلفيات أكاديمية وفكرية وفنية للمساهمة فى العمل النيابى بعيدا عن الضغوط الشعبية أو الحزبية المباشرة.

ولعل الأهم من المؤسسة نفسها هو ما تكشف عنه هذه العودة من حقائق تتعلق بالحالة السياسية العامة فى مصر، فمن يقرأ خريطة الإقليم جيدا يدرك حجم الاضطراب الذى أصاب نظما سياسية عريقة، بعضها فقد القدرة على إجراء انتخابات أو تشكيل حكومات، أو حتى إدارة حوار وطنى من أى نوع، فى المقابل تبدو مصر ماضية فى اتجاه معاكس، تستكمل مؤسساتها، وتعزز شرعيتها الانتخابية، وتمنح لمواطنيها مساحة من المشاركة، على الأقل على المستوى المؤسسى.

التحدى الحقيقى لا يكمن فى استعادة المؤسسات وحدها بل فى تأسيس حياة سياسية ناضجة فالمؤسسات لا تعنى شيئا إذا ظلت بعيدة عن هموم الناس وتطلعاتهم، أو إذا احتُكرت من قبل دوائر مغلقة لا تسمح بالتجديد والتنوع، لذلك فإن رهان المرحلة ليس فقط على قدرة الدولة على تنظيم الانتخابات، بل على قدرتها فى خلق مناخ سياسى يسمح بتكوين أحزاب حقيقية تملك رؤية وبرامج، وتعرف كيف تتحرك فى فضاء ديمقراطى دون أن تنزلق إلى فوضى، أو تستدعى خطابا إقصائيا باسم الدين أو العرق أو حتى الثورة.

لقد علمتنا التجربة أن غياب الفاعلين السياسيين المنظمين فى لحظات التحول، يفتح الباب أمام من يملكون أجندات خارجية أو مصالح لا تتصل بمصلحة الوطن، لذا فإن بناء نظام سياسى متماسك، يبدأ من القاعدة من بيئة آمنة تسمح بالاختلاف، وتفرز قيادات جديدة، وتمنح المواطنين الإحساس بأن مشاركتهم ليست ترفا بل ضرورة وطنية.

لم يكن إنشاء مجلس الشيوخ ترفا سياسيا أو عبئا دستوريا، بل كان ضرورة وطنية لخلق توازن تشريعى حقيقى، يُحصن الدولة من الانفراد بالرأى، ويعزز المشاركة فى صنع القرار، ويمنح القوانين عمقا وخبرة قبل أن ترى النور، مجلس الشيوخ ليس مجرد مقاعد إضافية بل هو عقل الدولة المفكر، وذاكرتها المؤسسية ودرعها التشريعى الذى يصون الهوية ويواكب التحديات وهذا هو الدور الذى وُلد من أجله مجلس الشيوخ...

 

حفظ الله مصر جيشا وشعبا وقيادة