من النجع إلى البرلمان.. الوفد صوت مصر الأصيل
منذ وعيت على الدنيا، كنت أرى في حزب الوفد رمزا لمعنى الوطنية الخالصة، ومرآة صادقة تعكس نبض الشعب المصري، خاصة في الريف، حيث النخيل والعطاء والأرض الطيبة.
الوفد لم يكن يوما مجرد حزب سياسي، بل كان مدرسة متكاملة علمت أجيالا متعاقبة معنى الانتماء وحب الوطن، علمتنا أن مصر ليست مجرد أرض نعيش عليها، بل كيان يسكن فينا، في تفاصيلنا، في لهجتنا، في عرق الفلاحين، وفي صبر الأمهات.
نشأت في الريف المصري، في نجع صغير ينام على ضفاف الترعة ويصحو على زقزقة العصافير وصوت الأذان، وهناك عرفت لأول مرة معنى الوطنية الحقيقية.
لم أتعلمها من الكتب أو الخطب، بل من الناس البسطاء الذين يعشقون تراب الأرض عشقا فطريا، لا يحتاجون إلى من يلقنهم معنى التضحية أو الصبر.
ومن هنا كان الرابط الطبيعي بين الريف والوفد، لأن الاثنين يشتركان في نفس القيم: الأصالة، والكرامة، والإخلاص، الوفد، منذ نشأته، حمل هموم الفلاح والنجع والقرية، وظل صوت المواطن الحقيقي في البرلمان وفي الشارع، لا يتلون ولا يتبدل، لأن جذوره ضاربة في عمق التاريخ المصري.
تعلمت على مدرسة الوفد حب الوطن وتراب الوطن، وتعلمت أن الانتماء ليس شعارا نردده في المناسبات، بل سلوك يومي نمارسه في عملنا، في تعاملنا مع الناس، في أمانتنا، وفي إخلاصنا لأرضنا.
الوفد لم يكن حزبا للصفوة وحدهم، بل كان وما زال بيت كل مصري بسيط يحلم بالعدالة والحرية والكرامة، في مدرسة الوفد، تعلمنا أن الوطنية ليست ضجيجا، بل عملا صامتا، وإخلاصا لا ينتظر مقابلا، وإيمانا بأن مصر أكبر من الجميع.
ولأن كل مدرسة عظيمة تحتاج إلى معلم كبير يواصل رسالتها، فإن حزب الوفد اليوم يجد في الدكتور عبدالسند يمامة قيادة واعية تمتلك رصيدا من الفكر والعلم والوطنية الصادقة.
لم يأت الرجل ليبحث عن مجد شخصي، بل ليعيد للوفد بريقه التاريخي كصوت للعقل والضمير الوطني، حديثه دائما هادئ لكنه عميق، لا يرفع الشعارات الجوفاء، بل يتحدث من منطلق الفهم والوعي، ومن واقع إحساسه الصادق بمسؤولية الحفاظ على تراث هذا الكيان العريق.
وجوده على رأس الحزب أعاد للوفديين ثقتهم في أنفسهم، وجدد فيهم روح النضال السياسي المحترم الذي يجمع ولا يفرق، ويزرع الأمل بدل أن يوزع الإحباط.
لقد علمني زعماء الوفد، من سعد زغلول إلى النحاس ومكرم عبيد وفؤاد باشا سراج الدين، أن الوطنية ليست مجرد تاريخ ندرسه، بل مسيرة مستمرة، يحملها كل جيل ليوصلها إلى من بعده.
وفي الريف المصري، ما زال الوفد يحتفظ بمكانته، لأنه الأقرب إلى الناس، يعرف مشكلاتهم، ويتحدث بلغتهم، ويشعر بآلامهم، فالفلاح البسيط حين يسمع كلمة “الوفد”، لا يتذكر شعارات، بل يتذكر مواقف رجال دافعوا عن الأرض والعرض والحرية.
حين أنظر اليوم إلى المشهد السياسي، أزداد اقتناعا بأن الوفد هو صمام الأمان للفكر الليبرالي الوطني، وأنه ما زال قادرا على أن يكون الجسر الذي يربط بين أصالة الماضي وطموح المستقبل.
الريف المصري في حاجة إلى هذا الصوت العاقل، إلى حزب يؤمن أن التنمية الحقيقية تبدأ من القرية لا من العاصمة، وأن بناء الإنسان هو الأساس قبل بناء الحجر.
أنا ابن الريف، وابن مدرسة الوفد، أؤمن أن تراب مصر مقدس، وأن الوفد سيظل عنوانا للكرامة والوطنية مهما تبدلت الأحوال، الوفد ليس مجرد تاريخ نفتخر به، بل حاضر نعيشه ومستقبل نطمح إليه، هو فكرة لا تموت، تتجدد كلما احتاج الوطن إلى صوت الحق والعقل والضمير.
في كل نجع وقرية مصرية، هناك من يتذكر الوفد بابتسامة احترام، وهناك من تربى على مبادئه دون أن يعرف أنه وفدي بالفطرة، هذا هو سر قوة الوفد: أنه يعيش في الوجدان، لا في الشعارات، في قلوب الناس قبل أن يعيش في المقرات.
ومن هنا، سيظل الوفد والريف المصري وجهين لعملة واحدة، كلاهما أصيل، وكلاهما مخلص، وكلاهما يحمل في قلبه حبا لا ينتهي لمصر التي نعيش من أجلها ونفديها بكل ما نملك.