نعمةُ المياهِ مقوِّمٌ أساسٌ للحياة.. خطبة الجمعة غدًا

خطبة الجمعة.. كشفت وزارة الأوقاف المصرية، عن موضوع خطبة الجمعة، والتي ستكون بعنوان: نعمةُ المياهِ مقوِّمٌ أساسٌ للحياة، موضحة أن الهدف منها هو الحفاظ على كل قطرة مياه وترشيد الاستهلاك وعدم التبذير، وغرس هذا الوعي في الأجيال القادمة
خطبة الجمعة:
الْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، الْمُنْعِمِ عَلَى عِبَادِهِ بِنِعَمٍ لَا تُحْصَى، وَأَجَلِّهَا نِعْمَةُ الْمَاءِ الَّتِي بِهَا تَحْيَا الْقُلُوبُ وَالأَبْدَانُ، وَتُبْنَى الْحَضَارَاتُ وَالأَوْطَانُ. نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَفَضَّلَ فَأَسْقَى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّالَّ عَلَى مَعَادِنِ الْخَيْرِ، الْمُحَذِّرِ مِنْ بَطْشِ الإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ؛ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْكَلَامَ عَنِ الْمَاءِ لَيْسَ كَلَامًا عَنْ مَادَّةٍ جَامِدَةٍ، بَلْ عَنْ سِرٍّ إِلَهِيٍّ وَمِفْتَاحِ عُمْرَانٍ، وَعَهْدٍ بَيْنَ الْخَلْقِ وَرَبِّهِمْ أَنْ يَشْكُرُوا النِّعْمَةَ وَيَحْفَظُوهَا، فَمَنْ شَكَرَ زِيدَ، وَمَنْ كَفَرَ عُوقِبَ، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.
نص خطبة الجمعة
الماءُ نعمةٌ كبرى، ومِنَّةٌ عظمى، عليه تقومُ الحياةُ، وهو أساسُ الحضارةِ والرقيِّ وعمادُ الاقتصادِ، ومن مصادرِ الرخاءِ وأصلِ النماءِ، وسببِ البقاءِ، فالماءُ أغلى ما تمتلكُ الإنسانيَّةُ، إنَّهُ الرزقُ النازلُ من السماءِ، يقولُ اللهُ تعالى: {… وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ۲۲]، ويقولُ تعالى: {… وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الجاثية : ٥]، فتارةً يسمِّي النازلَ من السماءِ ماءً وتارةً يسمِّيه رزقًا ليعلمَ العبادُ أنَّ هذا الماءَ النازلَ من السماءِ يحملُ الخيرَ والبركةَ والنماءَ والبهجةَ، فالأرضُ ميتةٌ والماءُ حياتُها، يقولُ اللهُ تعالى: {وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [النحل: ٦٥]، والأرضُ هامدةٌ يابسةٌ مقحلةٌ حتى إذا نزلَ عليها الماءُ تحرَّكتْ بالنباتِ وصارتْ مبهجةً، يقولُ اللهُ تعالى: {… وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: ٥]، فالماءُ إذا بهجةُ الحياةِ: … {وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل: ٦٠]، والماءُ اخضرارُ الأرضِ وجمالُها: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ۗ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [الحج: ٦٣].
ورؤيةُ الماءِ ترطِّبُ النفوسَ، وهو بإذنِ اللهِ حياةُ الروحِ والبدنِ …. {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ } [الأنبياء: ٣٠]، ويقولُ تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور: ٤٥]، عَنْ أبي هريرةَ (رضي اللهُ عنه) قالَ : قلتُ: يا رسولَ اللهِ،إنِّي إذا رأيتُكَ طابتْ نفسي وقرَّتْ عيني، فأَنبِئْني عن كلِّ شيءٍ. فقال: كُلُّ شيءٍ خُلِقَ مِن ماءٍ”. مسندُ الإمامِ أحمد، والمستدركُ للحاكمِ وصحَّحه الذهبيُّ.
خطبة الجمعة مكتوبة
فالماءُ هو العنصرُ الأهمُّ في حياةِ الأحياءِ، فالخلايا الإنسانيَّةُ والحيوانيَّةُ والنباتيَّةُ تحتوي على كميَّاتٍ كبيرةٍ من الماءِ، وإنْ نقصانُ هذه الكميَّةِ إلى حدودٍ حرجةٍ يعني الجفافَ والموتَ، فالماءُ يشكِّلُ ٩٠٪ من وزنِ بعضِ الكائناتِ الحيَّةِ، أمَّا الإنسانُ فيشكِّلُ الماءُ حوالي ٧١٪ من وزنِهِ، وهي تقريبًا نفسُ نسبةِ الماءِ في الكرةِ الأرضيَّةِ، فسبحانَ من هذا خلقُهُ، إنَّهُ الماءُ جعلَهُ اللهُ تعالى وسيلةً لحسنِ الثوابِ في الدنيا فقالَ: {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} [الجن: ١٦]، كما جعلَهُ وسيلةَ عقابٍ على المكذِّبينَ والمذنبينَ فقالَ: { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: ۱۱، ۱۲]، بل جعلَهُ المولى جلَّ وعلا من أعظمِ نعيمِ أهلِ الجنَّةِ فقالَ: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} [محمد: ١٥].
ومِمَّا يدلُّ على العنايةِ الإلهيَّةِ بالماءِ أن ذكرَهُ اللهُ تعالى في القرآنِ الكريمِ في مواضعَ كثيرةٍ بلغتْ ثلاثةً وستِّينَ موضعًا، فهل بعدَ هذا دليلٌ على أهميَّتِهِ ووجوبِ الحفاظِ عليه؟!
العُنصُرُ الثَّانِي: الْمَاءُ بَيْنَ التَّشْرِيعِ وَالسُّنَّةِ: تَرْشِيدٌ وَصَدَقَاتٌ وَمَسْؤُولِيَّةٌ.
ولمَّا كانَ للماءِ هذه المكانةُ التي تساوي الحياةَ حثَّ الإسلامُ على الحفاظِ عليهِ وترشيدِ استهلاكِهِ، ولذا حرصَ سلفُنا الصالحُ على الماءِ حرصًا شديدًا، كما حرصوا على بقائهِ نقيًّا طاهرًا حتى يتمكَّنوا من شربِهِ والتطهُّرِ بهِ في صلاتِهم وسائرِ عباداتِهم التي تحتاجُ إلى طهارةٍ، كما حرصوا على توفيرِهِ للجميعِ فلا يُحرَمُ منه أحدٌ، بل إنَّ الإسلامَ اعتبرَ الماءَ ثروةً يمكنُ التصدُّقُ بها كالمالِ، وقد حثَّ الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم على ذلك كما فعلَ في بئرِ رومةَ الذي كان تحتَ يدِ يهوديٍّ وكان يمنعُ المسلمينَ من مائِهِ، فَعَنْ عُثْمَانَ رضي اللهُ عنه قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ» فاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رضي اللهُ [صحيح البخاري].
خطبة الجمعة كاملة
ومنَ الحفاظِ على الماءِ الاعتدالُ في استعمالِهِ وعدمُ الإسرافِ فيهِ، فالإسرافُ حرامٌ حرَّمَهُ اللهُ تعالى في كتابِهِ حيثُ يقولُ: {… وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ۳۱]، فالمسرفونَ يكرهُهُم اللهُ تعالى فهم عنهُ مبعدونَ، ومن نورِهِ وهدايتِهِ محرومونَ.
إنَّ أُخوَّةً تجمعُ بين المبذِّرِ وبين الشيطانِ لهي أشدُّ دليلٍ على قبحِ الإسرافِ والتبذيرِ، يقولُ تعالى:{.. وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: ٢٦، ٢٧]، فإذا كانَ الإسرافُ حرامًا على العمومِ فكيفَ بهِ في نعمةٍ عظيمةٍ كنعمةِ الماءِ بها تكونُ حياةُ كلِّ حيٍّ؟! ولكنَّنا نتساءلُ: هل نتعاملُ مع الماءِ فعلًا على أنه نعمةٌ؟! هل نُقدِّرُ لهذه النعمةِ العظيمةِ قدرَها؟! الماءُ الذي نُهدرُهُ في الحقولِ، وفي البيوتِ، وفي المدارسِ وفي الشوارعِ ولا ندري أنَّ اللهَ تعالى سيحاسبُنا على كلِّ نقطةٍ منه نهدرُها.
إنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم شدَّدَ في النهيِ عن الإسرافِ في الماءِ واعتبرَهُ تعدِّيًا وظلمًا، فهذا الصحابيُّ الذي جاء إلى النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم ليتعلَّمَ منه الوضوءَ فأراهُ الوضوءَ ثلاثًا ثلاثًا ثم قالَ: «هَذَا الْوُضُوءُ ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ ، أَوْ تَعَدَّى ، أَوْ ظَلَمَ [سنن ابن ماجة] فجعلَ الزيادةَ على قدرِ الحاجةِ تعدِّيًا وظلمًا، وإساءةً في استعمالِ النعمِ التي أنعمَ اللهُ تعالى بها علينا، ويقولُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أيضًا: «إِنَّهُ سَيَكُونُ فِى هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمُ يَعْتَدُونَ فِي الطُّهُورِ وَالدُّعَاءِ“.
إنَّنا نُخالفُ سنَّةَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في ذلكَ مخالفةً كبيرةً، فقد كان النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم يتوضَّأُ بمدٍّ، ويغتسلُ بصاعٍ، فعن أنسٍ رضي اللهُ عنه قالَ: “كَانَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم يَغْسِلُ – أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ – بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادِ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدَّ “، والصاعُ أربعةُ أمدادٍ والمدُّ ملءُ كفَّيِ الرجلِ المتوسطِ] وكانَ عندَ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي اللهُ عنهما قومٌ فسألوهُ عن الغسلِ فقالَ: “يَكْفِيكَ صَاعٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مَا يَكْفِينِي، فَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْكَ شَعَرًا وَخَيْرٌ مِنْكَ“. وإنَّما كان هذا القدرُ القليلُ يكفي النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم لوضوئهِ أو اغتسالهِ لشدةِ حرصِهِ على الماءِ، أمَّا نحنُ فإنَّ ذلكَ لا يكفي أحدَنا لغسلِ يديهِ فقط، يا لنا من مسرفين!!!
الجمعة
يجبْ علينا أن نقتديَ برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في الحرصِ على هذه النعمةِ العظيمةِ فلا نضيِّعَ منها ما يصلحُ لاستخدامٍ – أيِّ استخدامٍ- فما لا يصلحُ للشربِ قد يصلحُ للغسلِ، وما لا يصلحُ للغسلِ قد يصلحُ لإزالةِ القاذوراتِ، ولا يفعلُ ذلك إلا مؤمنٌ يخشى اللهَ تعالى ويدركُ أنَّ الماءَ نعمةٌ كبرى وأنهُ أغلى من المالِ، بل أغلى من الدمِ الذي يجري في العروقِ، فهلا حافظنا عليهِ قبلَ فواتِ الأوانِ؟! ، وقالَ تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك ٣٠]، هذا الماءُ الذي أنزلهُ اللهُ بقدرتِهِ لَئِنْ لم نتقِ اللهَ فيهِ فماذا عسى ربُّنا أن يفعلَ بنا؟! {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: ٦٨ – ٧٠].