بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

جمعة: السكوت لا يعني دائمًا الرضا والكذب له دوافع نفسية

بوابة الوفد الإلكترونية

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الكذب من العوارض البشرية، ويعد خطيئة واضحة لأنه تصرف يتم عن عمد وبسوء نية، وغالبًا ما يكون مدفوعًا بدوافع مثل الحقد، أو التدبير السيئ، أو حتى الخجل، مؤكدًا أن الشريعة الإسلامية تنبهت لتلك الظواهر بدقة.

وأضاف «جمعة»، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن من صور الكذب أيضًا ما يُعرف بـ"الذهول"، وهو ناتج عن قلة تركيز أو دهشة من أمر طارئ، بالإضافة إلى الإكراه سواء كان أدبيًا أو ماديًا من طرف خارجي.

 

السكوت ليس علامة رضا.. والتحري واجب

وشدد الدكتور علي جمعة على أنه نتيجة لهذه العوارض البشرية، فإن السكوت لا يُعد دائمًا دلالة على الرضا، وأنه لا يُنسب لساكت قول، مشيرًا إلى ضرورة التحري عند نقل الأقوال أو الأفعال، لأن الناقل قد يقع ضحية أحد هذه العوارض، مما قد يؤدي إلى نقل خاطئ أو غير دقيق للمعلومة.

واستدل في هذا السياق بأن المسلمين ابتكروا علومًا دقيقة للتوثيق، سواء في نقل القرآن الكريم أو السنة النبوية، حيث وصل التدقيق إلى ضبط الآية والكلمة وحتى الأداء الصوتي، وفي السنة ابتُكر أكثر من عشرين علمًا لضبط الرواية، وذلك امتثالًا لتحذير النبي ﷺ بقوله:«من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار».

 

ضبط الشهادة.. لا تُقبل من كل أحد

وأوضح عضو هيئة كبار العلماء، أن هذه المنهجية العلمية الصارمة امتدت إلى ساحة القضاء أيضًا، حيث لا تُقبل الشهادة من أي شخص، بل يشترط فيها العدالة والانضباط، مؤكدًا أن الرسول ﷺ قال في الحديث الشريف:«سُئل النبي ﷺ عن الشهادة. قال: هل ترى الشمس؟ قال: نعم. قال: على مثلها فاشهد».
في إشارة إلى أن الشهادة يجب أن تكون في وضوح الشمس دون شك أو غموض.

 

رد البهتان ليس واجبًا دائمًا

وتابع الدكتور علي جمعة قائلًا إن الشخص غير ملزم بالرد على كل اتهام باطل أو بهتان يُقال فيه، لا سيما إن كان القول لم يصدر منه أصلاً، معززًا رأيه بأبيات شعرية ذكرها الإمام السخاوي في كتابه الضوء اللامع عن أحد شيوخه:كم من لئيمٍ مشى بالزور ينقلهُ
لا يتقي الله، لا يخشى من العارِ

يودّ لو أنه للمرء يهلكهُ
ولم ينله سوى إثمٍ وأوزارِ

فإن سمعتَ كلامًا فيك جاوزهُ
وخلِّ قائلهُ في غيّه الساري

فما تبالي السما يومًا إذا نبحت
كل الكلاب وحق الواحد الباري

وقد وقعتُ ببيتٍ نظمه دررٌ
قد صاغه حاذقٌ في نظمه داري

لو كل كلبٍ عوى ألقمتهُ حجرًا
لأصبح الصخر مثقالًا بدينارِ

وأوضح أن هذه الأبيات تلخّص أدب التعامل مع الباطل والإشاعات، مؤكدًا أن الإسلام لا يكلّف الإنسان ما لا طاقة له به، خصوصًا في الرد على الأباطيل التي لا أساس لها.

 

الاستثناء الوحيد.. "سكوت البكر" عند الزواج

وأشار الدكتور علي جمعة إلى أن الشرع الإسلامي استثنى من هذه القاعدة (أن السكوت لا يُعد رضا) حالة واحدة فقط، وهي حالة البكر عند زواجها، موضحًا أن الحياء كان خلقًا شائعًا في الأزمنة السابقة، فكانت الفتاة تستحي من التصريح بقبول الزواج.

واستدل بحديث النبي ﷺ الذي قال فيه:«البكر تُستأمر فتستحي فتسكت. قال: سُكاتها إذنها».
وأكد أن هذا استثناء مقصود لاعتبارات اجتماعية وأخلاقية راعى فيها الإسلام الطبيعة البشرية والحياء الفطري.

 

الثقافة المجتمعية بحاجة إلى أصول واضحة

وفي ختام كلمته، تساءل الدكتور علي جمعة عن إمكانية أن تكون لدينا أصول مرجعية واضحة للثقافة المجتمعية، تشبه ما يمكن اعتباره دستورًا ثقافيًا أو ميثاق شرف ثقافي، حتى لا نظل ندور في دائرة مفرغة من الفوضى الثقافية وحوارات لا تفضي إلى نتائج.

وقال:"هل لنا أن نواصل أصولاً لحياتنا الثقافية نرجع إليها جميعًا، أم أننا سنظل هكذا في متاهة حوار الطرشان، نسير في حياتنا الثقافية على غير هدى؟".