نيويورك تايمز: اعتراف بريطانيا المشروط بدولة فلسطين يكشف تصدع الثقة الأوروبية فى إسرائيل

خبراء: الاعتراف بفلسطين ليس رمزًا… بل بداية مسار قانونى نحو حل الدولتين
كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن قرار المملكة المتحدة بالاعتراف الرسمى بدولة فلسطين إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة بحلول شهر سبتمبر يُعبّر عن تنامى الإحباط الأوروبى من سلوك الحكومة الإسرائيلية خلال الحرب على غزة.
وتشير الصحيفة إلى أن الإعلانين الفرنسى والبريطانى يمثلان رسالة سياسية واضحة مفادها أن الدولتين الأوروبيتين لم تعودا مستعدتين لمواصلة التعامل مع الوضع القائم، فى ظل ما خلفته الحرب من دمار واسع فى قطاع غزة، حيث قُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ووجد ما يقرب من مليونى نسمة أنفسهم فى ظروف إنسانية قاسية من الجوع والحرمان.
كما تعكس هذه المواقف تصاعد القلق الدولى من التصعيد الإسرائيلى فى الضفة الغربية، حيث أدى النشاط العسكرى خلال العام الجارى إلى موجات نزوح واسعة، إلى جانب توسع خطط الاستيطان، وتصاعد هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين منذ هجوم حماس
وترى الصحيفة أن هذه التحركات الأوروبية تطرح سؤالًا كبيرًا حول معنى الاعتراف بدولة فلسطين، ومدى تأثيره القانونى والدبلوماسى فى الواقع.
وفقًا لمعايير »معاهدة مونتيفيديو» لعام 1933، تُحدَّد الدولة بأربعة عناصر: سكان دائمون، حدود إقليمية محددة، حكومة، وقدرة على إدارة العلاقات الدولية. وتشير نيويورك تايمز إلى أن الاعتراف الرسمى لا يشترط توفر هذه الشروط بشكل مثالى، بل يكفى أن تكون مستوفاة بدرجة عامة، حتى مع وجود نزاع حول الحدود أو طبيعة السلطة.
وفى السياق أكد زينايدا ميلر، أستاذة القانون والشئون الدولية بجامعة نورث إيسترن، أن «التفسير القانونى مهم»، مضيفة أن الاعتراف يُعد أداة دبلوماسية ذات بعد رمزى ورسالة سياسية تعكس الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، ورفضًا صريحًا للسياسات الإسرائيلية التى تُقوض هذا الحق.
ويؤكد العديد من خبراء القانون الدولى أن الشروط الأساسية للاعتراف بدولة فلسطين متوفرة فعليًا: هناك سكان دائمون، وأراضٍ يُعترف بها عالميًا كأراضٍ محتلة منذ عام 1967، تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
أما السلطة الفلسطينية، التى أُنشئت بموجب اتفاقات أوسلو برعاية منظمة التحرير الفلسطينية، فهى تمارس شكلًا من الحكم فى الضفة الغربية، وتُمثل الفلسطينيين على الساحة الدولية. ورغم محدودية سلطاتها بسبب الاحتلال الإسرائيلى والانقسام الداخلى مع حماس فى غزة، فإن الاعتراف بدولة فلسطين يُتيح إقامة علاقات دبلوماسية مباشرة معها بوصفها الكيان الرسمى للدولة.
وتوضح نيويورك تايمز أن الاعتراف سيترتب عليه أيضًا ضرورة مراجعة العلاقات الثنائية بين الدول المعترفة وإسرائيل. ويقول أردى إمسيس، أستاذ القانون فى جامعة كوينز الكندية والمسؤول السابق فى الأمم المتحدة، إن هذا الاعتراف «يوفر أساسًا لمراجعة كاملة للاتفاقيات مع إسرائيل، لضمان عدم تعارضها مع الحقوق الفلسطينية، بما فى ذلك الحقوق السياسية والإقليمية والاقتصادية».
ويضيف أن الاعتراف يفتح المجال أمام المجتمع المدنى والبرلمانيين فى الدول المعترفة للضغط من أجل تعديل السياسات والاتفاقيات، بما يشمل على سبيل المثال وقف استيراد المنتجات الزراعية القادمة من المستوطنات غير الشرعية فى الأراضى المحتلة.
وفى هذا السياق، يقول بول رايشلر، محامٍ دولى يمثل فلسطين أمام محكمة العدل الدولية، إن الاعتراف لا يعنى القطيعة التامة مع إسرائيل، بل يتطلب مراجعة دقيقة لأى علاقة قد تُسهم فى دعم نشاط استيطانى غير قانونى، مثل استيراد منتجات من مزارع المستوطنات.
وتلفت الصحيفة إلى أن محكمة العدل الدولية أصدرت العام الماضى رأيًا استشاريًا يُدين الاحتلال الإسرائيلى بوصفه انتهاكًا لحظر الاستيلاء على الأراضى بالقوة، ما يُضيف ثقلًا قانونيًا لأى خطوات دولية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وعلى صعيد التوازنات داخل الأمم المتحدة، تشير الصحيفة إلى أن 147 دولة من أصل 193 عضوًا تعترف رسميًا بدولة فلسطين، وهو ما يشكل غالبية واضحة. وإذا انضمت بريطانيا وفرنسا إلى هذا الموقف، فستكون لهذه الخطوة رمزية خاصة نظرًا لعضويتهما الدائمة فى مجلس الأمن وامتلاكهما لحق النقض (الفيتو)، ما سيترك الولايات المتحدة كالدولة الوحيدة الدائمة العضوية المعارضة للاعتراف.
ويُذكر أن فلسطين تتمتع حاليًا بوضع «دولة مراقب» فى الأمم المتحدة، وهو وضع لن يتغير دون موافقة مجلس الأمن، الأمر الذى يبقى مرهونًا بالموقف الأمريكى.
وتنقل نيويورك تايمز عن رايشلر قوله إن «الاعتراف ليس مجرد لفتة رمزية، بل خطوة سياسية وقانونية فى طريق طويل نحو حل الدولتين»، مؤكدًا أن «بين النهر والبحر شعبان، لا شعب واحد، ولكل منهما الحق فى العيش فى دولة مستقلة ذات سيادة».
ويضيف أن القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة تُجمِع على أن الحل العادل والدائم لا يكون إلا بإقامة دولتين. وقد كانت بعض الدول مثل النرويج مترددة فى الاعتراف بدولة فلسطين سابقًا، على أمل أن يأتى الاعتراف نتيجة مفاوضات سلام، لكن مع تعثر العملية السياسية وتصاعد الغضب من السياسات الإسرائيلية، اختارت دول عديدة اتخاذ الاعتراف كخطوة استباقية للضغط باتجاه السلام.