شهر صفر بين الخرافة والحقيقة.. ما الذي نهى عنه النبي ﷺ

مع بداية أيام شهر صفر، ثاني شهور السنة الهجرية، يلفت الإسلام أنظار المسلمين إلى ضرورة التمييز بين العقيدة الصحيحة والخرافات التي توارثها الناس عن الجاهلية.
فقد أُسيء فهم هذا الشهر على مر العصور، حتى صار البعض يتشاءم منه، ويظنه شهر نحس وشر، رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك تمامًا.
في هذا السياق، نبه العلماء إلى عدد من المكروهات التي ارتبطت بشهر صفر في الثقافة الشعبية، مؤكدين على أهمية اجتنابها، وعدم الانسياق وراء الأوهام.
ويعد هذا التحذير امتدادًا للهدي النبوي الذي رسخ مبدأ التوحيد، ونفى تأثير الزمان والمكان في وقوع الخير أو الشر، مؤكداً أن كل شيء يجري بتقدير الله.
أصل التسمية.. لماذا سُمي شهر صفر بهذا الاسم؟
تعددت الأقوال في سبب تسمية هذا الشهر بـ"صفر"، منها أن العرب كانوا يخرجون فيه للحرب، ويغزون القبائل، فيتركون من يهاجمونهم صفرًا من المتاع، أي لا يملكون شيئًا، وقيل أيضًا إن الاسم يعود إلى "إصفار مكة" من سكانها، أي خلوها منهم، لأنهم كانوا يرحلون منها بعد الأشهر الحُرُم، كما تشير بعض الروايات إلى وجود أسواق قديمة في اليمن تُعرف بالصفرية، ارتبط اسم الشهر بها.
وقد أطلق العرب قبل الإسلام على هذا الشهر عدة أسماء، منها "مُوجِر" في لغة ثمود، و"ثقيل" و"ناجر" عند العرب العاربة، وهي أسماء تعكس معاني الخوف أو الشدة أو خلو المكان.
هل صفر شهر مشؤوم؟.. النبي يرد
من أبرز ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم نهيه الصريح عن التشاؤم من شهر صفر، إذ قال في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه:
"لا عدوى ولا طِيَرة ولا هامة ولا صفر" [رواه البخاري ومسلم].
والمقصود هنا أن النبي ينفي وجود أي شؤم أو تأثير سلبي لهذا الشهر، كما كان يعتقد بعض العرب في الجاهلية، لا سيما فيما يتعلق بالزواج أو السفر أو اتخاذ القرارات المصيرية، فقد كانوا يؤجلون الزواج في هذا الشهر، ويتشاءمون من بدايته، ويعتقدون أنه موسم للفتن والمصائب.
وقد فسّر العلماء هذا الحديث بأكثر من وجه؛ فبعضهم رأى أن "صفر" هنا اسم داء يصيب البطن، بينما رجّح آخرون أنه المقصود به شهر صفر نفسه، وأن النهي يتعلق برفض الاعتقاد بوجود نحس خاص فيه.
تحذير من مكروهات ثلاثة
استنادًا لما سبق، حدد العلماء والمفسرون ثلاثًا من المكروهات التي ينبغي على المسلم اجتنابها في شهر صفر، ومنها:
التشاؤم من الشهر: وهو اعتقاد باطل لا أصل له في الإسلام، وقد نهى النبي ﷺ عنه بوضوح، مشددًا على أن الأقدار لا ترتبط بالشهور أو الأيام، وإنما بقدرة الله.
تأجيل الزواج أو المناسبات المهمة: وهو أمر انتشر عند بعض الناس اعتقادًا منهم أن شهر صفر لا يُستحب فيه الفرح أو اتخاذ قرارات مصيرية، وهو من بقايا الجاهلية.
ربط الحوادث والمصائب بقدوم الشهر: كما ظن بعض الجهّال أن الأرواح تعود لتطالب بالثأر في هذا الشهر، أو أن الموت يكثر فيه، وهي أساطير لا أساس لها في الشرع.
أقوال العلماء
علق عدد من كبار العلماء على هذا الحديث، منهم الإمام ابن عبد البر في كتابه الاستذكار، حيث نقل أقوالًا عن علماء السلف تنفي صحة هذه الأوهام، وأكد أن الاعتقاد بتشاؤم الشهر مخالف للشريعة، كما ذكر الإمام الطيبي في "شرح المشكاة" أن العرب كانوا يتشاءمون بدخول صفر، فجاء قول النبي ﷺ ليزيل هذا الوهم تمامًا.
وأوضح ابن وهب أن بعضهم كان يظن أن "الصفار" مرض قاتل يصيب الإنسان، فردّ عليه النبي بنفي ذلك، مبينًا أن ما يصيب الإنسان من ضر أو نفع هو بقدر الله، وليس مرتبطًا بزمان أو مكان معين.
صفر في عيون الجاهلية
قبل الإسلام، ارتبط صفر في أذهان الجاهليين بالخراب والشر، حتى أنهم كانوا يؤجلون حُرمة شهر المحرَّم إلى صفر، فيظلمون ويقاتلون فيه، ويخلطون بين الحرام والحلال، وكانوا يقولون: "إذا انسلخ صفر، ونبت الوبر، وعفا الأثر، وبرأ الدّبر، حلت العمرة لمن اعتمر"، أي أن العمرة في صفر كانت مرفوضة عندهم.