صرخات تحت الخرسانة

سكان عمارات النصر بأكتوبر ينتظرون الموت تحت الأنقاض
بحوث الإسكان: تم بناؤها بمواد بناء مخالفة للمواصفات ويجب إزالتها!
الأهالى: دفعنا تحويشة العمر لشراء شقق اكتشفنا أنها آيلة للسقوط.. ونناشد وزير قطاع الأعمال التدخل لإنقاذنا
عندما تنشيء شركة حكومىة عمارات سكنية تتكلف مئات الملايين من الجنيهات ثم يثبت أنها آيلة للسقوط فتلك جريمة خطيرة فى حق المال العالم تستوجب محاسبة كل من تورط فيها..
وعندما تبيع الشركة الحكومية شقق هذه العمارات ثم يكتشف من اشتروها بأغلى الأسعار أنها لا تصلح للسكنى وأنها مهددة بالانهيار فوق رؤوسهم فى أية لحظة فتلك جريمة مالية وأخلاقية وجنائية تستوجب محاسبة كل من تورط فيهاـ وتستوجب أيضا حلولا سريعة لإنقاذ حياة من اشتروا شقق تلك العمارات.

وعندما تصدر جهات حكومية متخصصة تقريرًا فنيًّا يؤكد أن العمارات ذاتها تم بناؤها بحديد صدئ وبمواد بناء مخالفة للمواصفات، وأنه يجب إزالة بعضها وترميم بعضها الآخر، ثم يكتفى مسئولو «الشركة الحكومية التى باعت تلك العمارات بترميم بعض العمارات وتكتفى بذلك ثم تطالب الضحايا بأن يلجأوا للقضاء فتلك جريمة ثالثة تستوجب محاسبة كل من «بهدل» مئات الأسر التى وضعت تحويشة عمرها لشراء شقة ثم اكتشفت أنها اشترت الموت.
كل تلك الجرائم حدثت فى مشروع عمائر أكتوبر التابع لشركة «النصر للإسكان والتعمير»، إحدى شركات «القابضة للتشييد والتعمير» بوزارة قطاع الأعمال العام،
«دفعنا تحويشة العمر عشان نعيش فى منطقة راقية وشقق محترمة، فما وجدنا غير الموت ينتظرنا وعمارات ستسقط فوق رؤوسنا بسبب سوء البناء واستخدام مواد غير مطابقة للمواصفات، فظهرت التشققات والشروخ فى الحوائط والسلالم، ومش لاقيين اللى ينقذنا».. بهذه الكلمات استغاث سكان العمارات المنكوبة، مؤكدين أنهم قدموا شكاوى عديدة للمسئولين بشركة «النصر» من أجل إنقاذهم قبل وقوع الكارثة وسقوط العقارات ودفنهم بداخلها أحياء، لكن لا حياة لمن تنادى، مطالبين بإزالة العقارات وإعادة بنائها من جديد، إذ لا يمكن ترميمها.

وأضاف السكان أن أزمة هذه المساكن تعود إلى عام 2018، حيث صدر أول قرار إزالة لعقار بالمنطقة لم يمر على بنائه سوى 5 سنوات فقط، وبعدها بدأت التشققات تظهر فى الكتل الخرسانية بالعمارات، وداخل الشقق السكنية نفسها.
فيما رصدت عدسة الوفد «شروخًا وأعمدة حديدية يملؤها الصدأ فى واجهة العقارات وداخلها، وأرضيات مصابة بانتفاخات وسلالم مشققة، وعمارات كل ما فيها يصرخ بقرب انهيارها.
قال طارق العيسوى، أحد السكان: «اشتريت شقة فى مشروع عمائر النصر بأكتوبر منذ عدة سنوات بحوالى 400 ألف جنيه، وكان مبلغًا كبيرًا، وقتها، يعادل سعر أغلى شقة فى أرقى مناطق مصر، وبعد سنوات قليلة ظهرت تشققات فى عدد من عمارات المشروع، فقامت الشركة على الفور بإزالتها وبنائها من جديد، ولكن سرعان ما ظهرت تشققات وصدوع أيضًا فى العقارات التى نسكن بها، إلا أن الشركة لم تهتم، فقررنا اللجوء إلى القضاء وحصلنا على أحكام بإزالة 10 عقارات وترميم عدد آخر».

وأضاف الدكتور محسن عبد الحميد، أحد السكان، أنه استلم شقته فى عام 2014 وكانت البنية الأساسية لها صفرًا، لذا ظهرت التصدعات والشقوق فى الشقق والعقارات بالكامل، لافتًا إلى أن الشركة قامت بعمل ترميم فى العقارات، ولكن سرعان ما ظهرت الشقوق والتصدعات مرة أخرى بعد شهرين من ترميم الشركة لها.
وأشار وحيد فكرى محمد، أحد السكان، إلى أن مركز بحوث البناء أخذ عينات من خرسانة العقارات لتحليلها، وخرج بتقرير مفاده أنه يجب إزالة هذه العقارات بدلًا من ترميمها؛ وذلك بسبب زيادة نسبة الكلوريدات والأملاح العالية وتآكل صلب الحديد، وأكد غير مطابقة لمواصفات البناء مع عدم تحمل أعمدة العقارات لهذه الأحمال.
واستكمل: «أظهر التقرير المشكلات فى العمارات بأن هناك زيادة فى نسبة أملاح الكلوريدات فى الخرسانة عن النسب المسموح بها فى الكود المصرى للبناء، وأرجع التنفيخ فى السيراميك إلى الصدأ فى الحديد، واقترح إزالة العمارة بالكامل ثم إعادة البناء».
وقال المهندس فؤاد عبدالرازق، أحد السكان، إن سكان العمارات المتضررة اقترحوا على مجلس إدارة شركة النصر الحصول على سكن بديل مطابق لمساحة شققهم، لحين إعادة بناء العمارات مرة أخرى بمواد مطابقة للمواصفات، نظرًا لصعوبة الانتقال من المكان لارتباط الأسر به من خلال المدارس والأعمال الخاصة بهم، وأغلب السكان من الطبقة المتوسطة أو فوق المتوسطة، ومع ارتفاع أسعار الوحدات السكنية لن يتمكنوا من شراء سكن بديل مناسب.

وأضاف أن المشكلة الفنية التى حدثت فى العمارات كان المتسبب فيها هو المقاول المنفذ، الذى جاء بعد مناقصة وكان مشهودًا له بالكفاءة، ولكن ما حدث كان عكس ذلك، وشركة النصر هى المسئولة أمامنا بإزالة هذه العمائر وإعادة بنائها من جديد.
وتابع: «ظهر أيضًا بروز واضح فى أرضيات العمارة تسبب فى إعاقة الأبواب أثناء الفتح والغلق، بجانب تشققات كبيرة فى بعض واجهات العمارات ونسب ميل واضحة فى البلكونات، والكثير من الأسر تركوا شققهم وخرجوا ليعيشوا بالإيجار فى مناطق أخرى خشية انهيار العقار فى أى وقت، والبعض الآخر ينتظر موته أو يخشى التشرد».
وأضافت عائشة المهدى، من السكان: «بعد مداولات حوالى 14 عامًا مع شركة النصر، لم نصل إلى شيء، فيما اكتفت الشركة بالتأكيد على أن الشقوق والتصدعات بسبب سوء التشطيب..
وتابعت: رممت شقتى 5 مرات، على نفقتى الخاصة وبعد أن انفقت أموالا ضخمة لم تتحسن الأحوال وللأسف كان الطوب والرمل بيقع فوق دماغنا، كلنا بنطالب بفك التشابكات بين وزارة قطاع الأعمال والشركة والجهات المسئولة، لأننا اتبهدلنا لف ومفيش حل لمشكلتنا لحد دلوقتى».

وأضافت: «كل الأسر المتضررة بتعانى من اضطرابات فى النوم وقلق دائم، خصوصًا الأطفال، وأصبحنا أمام خيارات مستحيلة: إما الاستمرار فى شقق مهددة بالانهيار أو الانتقال إلى الإيجار فى ظل ارتفاع جنونى للأسعار، وللأسف كلنا من طبقات متوسطة، منقدرش على أسعار الإيجار وإحنا عندنا شقق تمليك».
وبسؤال الأهالى عن رد شركة «النصر» بشأن شكواهم، أكدوا أن الشركة قامت بهدم عدد من العقارات التى لا يمكن لها الانتظار، وقامت ببنائها من جديد، وبعد ذلك تجاهلت باقى العقارات الآيلة للسقوط، وطلبت منهم اللجوء للقضاء، مشيرين إلى أنهم لجأوا بالفعل إلى القضاء، وحصلوا على أحكام بإزالة 10 عقارات وبنائها من جديد، مع ترميم عدد من العقارات الأخرى، وحتى يومنا هذا لم يتم تنفيذ الحكم.
وأكدوا أنه تم إخطار الممثل القانونى لشركة «النصر» بصورة رسمية من الحكم، منها بموجب إنذارات رسمية على يد محضر، إلا أن الشركة لم تحرك ساكنًا.

ويناشد ملاك وحدات العمارات المهندس محمد شيمى، وزير قطاع الأعمال، حل مشكلتهم، وإلزام الشركة المالكة التابعة لوزارة قطاع الأعمال بعلاج المشكلة وفقًا للقانون، وتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة فى هذا الشأن.
الأزمة لم تتوقف عند حدود التصدعات، بل طالت كرامة المواطنين وحقوقهم القانونية؛ فمع أنهم حصلوا على أحكام قضائية نهائية بإزالة بعض العقارات وترميم أخرى، لم يتم تنفيذ هذه الأحكام. ويتساءل السكان: إذا لم تُنفذ الدولة أحكامًا صادرة باسمها، فإلى من نلجأ؟
ويشعر الأهالى بالخذلان من الجهات المسئولة التى تجاهلت تقارير علمية واضحة تثبت فساد البناء وخطورته، وكأن الأرواح البشرية يمكن المساومة عليها.

كما يناشد السكان كافة الأجهزة الرقابية، والجهات المختصة بمكافحة الفساد، التدخل الفورى لفتح تحقيق شامل فى هذه الكارثة، ومحاسبة كل من شارك أو تغاضى عن الإهمال المتعمد، بداية من المقاول، مرورًا بالشركة المطورة، وصولًا إلى الجهات التى وقّعت على استلام الوحدات دون مراجعة دقيقة للبنية الإنشائية.