خط أحمر
مكر جدعون السيئ
عشنا حتى قرأنا لوزير إسرائيلى كلامًا يقول فيه، إنه مشفق على الأقليات السورية فى ظل وجود حكومة الشرع فى دمشق!
يكتب جدعون ساعر، وزير خارجية اسرائيل، على منصة إكس، فيقول: أن تكون من الأقليات الكردية، أو الدرزية، أو العلوية، أو المسيحية، فى ظل سوريا الشرع، فهذا من أمور الخطر!
هذا كلام منشور، وهذه أول مرة نعرف فيها أن اسرائيل مهتمة بأمور السوريين إلى هذه الدرجة، أو أنها تخاف على بعضهم إلى هذا الحد، وإلا، فإن علينا أن نسأل الوزير ساعر نفسه عن حال الدروز فى اسرائيل، وعما إذا كانوا لا يواجهون عنصرية شديدة فى تعامل تل أبيب معهم؟.. ولكن لا شأن لنا فى كل الأحوال بدروز إسرائيل، لأنهم أقدر على التعامل مع الإسرائيليين، ولأن هذه قضية تخصهم ولا تخصنا.
ما يهمنا هنا هو حديث الوزير ساعر عن سوريا، وما يهمنا هو الطريقة التى يتكلم بها عن سوريا، فلا يتكلم عنها كدولة واحدة متماسكة، وإنما يتعمد أن يكون الكلام من جانبه عن طوائف فيها، والقصد طبعًا أن يرسخ لهذا المعنى الطائفى البغيض فى نظر الناس، وأن تبدو سوريا أمام الذين يطالعون كلامه الملىء بالسم، وكأنها أكثر من سوريا لا سوريا واحدة لكل السوريين !
طول عُمر الدروز يعيشون فى الجنوب السورى، فلم نسمع عن أنهم يشاغبون فى الحكومة فى دمشق، ولم نقرأ أنهم يرغبون فى أن يعيشوا بعيدًا عن الدولة السورية، ولا أنهم يرون أنفسهم خارج حدود الدولة أو خارج مظلتها الجامعة.
ولكن المؤكد أن إسرائيل تغذى فيهم كل هذه المعانى، والمؤكد أن تل أبيب لا يسعدها فى شىء أن تكون سوريا لكل السوريين، ولا يريحها أن تكون دمشق عاصمة للسورى الكردى فى الشمال كما هى للسورى الدرزى فى الجنوب.
لا يسعدها هذا ولا يُريحها، ولا تنام إلا إذا كانت قد سعت بالدس بين السورى والسورى، ولا يهدأ لها جانب إلا إذا مضت بالوقيعة بين أبناء البلد الواحد، ولا تجد سعادتها إلا فى الدس بين مكونات البلد مرة، وفى الوقيعة بينها مرات.
كل ما يرجوه المرء وهو يطالع كلام ساعر، أن يكون لدى السورى الدرزى يقين فى أن الوزير الإسرائيلى لا يكتب ما كتبه لوجه السوريين الدروز، ولا لوجه السوريين المسيحيين، ولا لوجه السوريين الأكراد، ولا لوجه السوريين العلويين، وأفضل ما يمكن أن يقدمه هؤلاء جميعًا لهذا الساعى بالوقيعة بينهم، أن يقدموا سوريتهم على ما سواها، وعندها سوف يحيق المكر السيئ بجدعون ساعر.