لعل وعسى
الإصلاحات الآجلة والنمو طويل الأجل (٢)
تناولنا فى المقال السابق أن الاقتصاد العالمى يواجه أوضاعًا معاكسة بشكل كبير، وهو ما إنعكس على اقتصاديات الأسواق الصاعدة والإقتصادات النامية، ومنها مصر، وهى التى تسعى بكل السبل نحو زيادة حجم الاستثمار الأجنبى المباشر، كما أن إنعقاد قمه تحالف بريكس الـ17 فى البرازيل هذا الشهر، قد تكون بداية لتعزيز التعاون مع دول الجنوب الساعية لحوكمة أكثر شمولًا وإستدامة. وحتى يتسنى إطلاق العنان نحو تحقيق النمو طويل الأجل، يجب أن تركز الإصلاحات على، أولا: تحسين جودة المؤسسات خاصة التعليمية والتشريعية. ثانيا: جذب الاستثمارات مع تفعيل حقيقى لدور المجلس الأعلى للاستثمار المصرى. ثالثًا: القدرة على تعزيز رأس المال البشرى، والذى يشمل الاستثمار فى التعليم والتدريب، وتطوير المهارات، وتحسين الصحة، وتعزيز الابتكار، بالإضافة إلى توفير بيئة عمل جاذبة لضمان مشاركة فعالة من قبل القوى العاملة. وهذه الجهود نهدف منها إلى زيادة إنتاجية العمالة، وتحسين القدرة التنافسية، وتحقيق التنمية المستدامة. وذلك استنادًا على ما يؤكده العلم فيما يتعلق بنظريات الإستثمار فى رأس المال البشرى من أن هناك علاقة إيجابية بين الاستثمار فى التدريب والتعليم وزيادة دخل الفرد والمجتمع، ومن هذا المنطلق يجب أن يكون الاستثمار فى رأس المال البشرى هدفًا إستراتيجيًا لا يرتبط بفترة زمنية معينة، بل يجب أن يكون عملية مستمرة ومتوازنة وشاملة فى إطار علمى، أما فيما يتعلق بالإطار العملى فإننا ندلل على انه منذ منتصف القرن العشرين كانت هناك دول لم تكن معروفة على خريطة العالم ولربما لم تكن موجودة، مثل سنغافورة وهونج كونج وماليزيا واليابان، ولكن تفاجأ العالم بثورة تكنولوجية وعلمية لديها، بفضل اعتمادها على تعزيز رأس المال البشرى، لذا لم يكن مستغربًا أن يطلق منتدى الاقتصاد العالمى مؤشرا جديدًا لقياس قدرة الدول على تطوير وتعزيز رأس المال البشري، من خلال قياس عوامل المساهمة والتحفيز للتنمية، وتوزيع القوى العاملة المدربة والسليمة. ويتكون المؤشر من أربعة معايير تشمل التعليم، والصحة والرعاية، والقوى العاملة والتوظيف وقياس وتقييم عدم التكافؤ، وأخيرًا تمكين البيئة والمرتبطة بوجود إطار تشريعى قوى وبنية تحتية حديدية. وهذه العوامل الأربعة نحتاج من الحكومة ترجمتها. وما نؤكد عليه أن يكون الاستثمار فى رأس المال البشرى يعد المحرك الرئيسى لتحقيق رؤية مصر 2030، كما يعتبر الحل الوحيد لاكتساب الأفراد المعلومات والمهارات التى تتطلبها الوظيفة، ويساعد فى تطوير هذه المعلومات، وبما يحقق المزيد من الكفاءة الاقتصادية، وتعزيز القدرة التنافسية، ورفع مستوى المعيشة والحد من معدل البطالة. كما أنه من الضرورى أن ينعكس اهتمام الدولة ودعمها لتطوير رأس المال البشرى على كافة المؤسسات والشركات. وكذلك يجب على الحكومة اتخاذ تدابير وسياسات جديدة لتعزيز النمو طويل الأجل والخروج من تداعيات الازمات العالمية والإقليمية المتوالية والتى زادت من حالة عدم اليقين، ويأتى على رأس هذه السياسات الاستثمار فى المعرفة وبناء رأس المال البشرى والمادى من خلال الاستثمار فى التعليم والصحة وتحسين بيئات الأعمال لدعم قوة الاقتصاد، وتحسين قدرته على مواجهة الأزمات فى المستقبل، بالإضافة إلى تحفيز الاستثمار الخاص من خلال التركيز على مشروعات البنية الأساسية المحفزة لجذب الاستثمارات والإنفاق على البحث العلمى والابتكار والتحول نحو الإقتصاد الأخضر المستدام، وهذا يمكن ربطة بمؤسسات التعليم العالى فى مصر. وللحديث بقية إن شاء الله.
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام