هدد بفرض 10% إضافية:
رسوم «ترامب» على دول البريكس تشعل الحرب التجارية

مصر فى مرمى نيران الرسوم الجديدة وتخوفات من تأثيرها على الصادرات
د. يمن الحماقى: تعزيز تنافسية الاقتصاد المصرى بتخفيض التكاليف وزيادة العوائد أبرز طرق المواجهة
هدى الملاح: «ترامب» يريد إظهار قوته أمام العالم وحماية الدولار
د. على الإدريسى: مطلوب إعادة تقييم تواجد مصر فى مجموعة بريكس تجنبا للأضرار
فى أبريل الماضى أعلن الرئيس الأمريكى عن فرض رسوم جمركية على كل شركاء أمريكا التجاريين بواقع 10% كحد أدنى و50% للدول التى تصدر إلى الولايات المتحدة أكثر مما تستورد منها.
وكانت هذه الرسوم بمثابة صدمة للاقتصاد العالمى أربكت حسابات الدول والمستثمرين، وأدت إلى زيادة التضخم العالمى وارتفاع الأسعار، إلا أنه قرر تعليق تلك الرسوم مؤقتا لفتح الباب أمام إجراء مفاوضات تجارية مع كل دولة على حدة.
لم يكتف ترامب بذلك بل خرج علينا منذ أيام قليلة ليهاجم مجموعة بريكس التى تضم فى عضويتها 11 دولة أبرزها الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب وأفريقيا ومصر والإمارات، متوعدا إياها بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على الدول التى تتبنى سياسات المجموعة والتى وصفها بالمعادية للولايات المتحدة الأمريكية. وكتب «ترامب» على منصته «تروث سوشيال»، «أية دولة تصطف مع سياسات مجموعة بريكس المعادية لأمريكا سيتم فرض رسوم جمركية إضافية عليها بنسبة 10%، ولن تكون هناك استثناءات لهذه السياسة».
على الجانب الآخر، انتقد قادة دول مجموعة بريكس فى قمتهم التى عقدت مؤخرا فى البرازيل، الرسوم الجمركية، معربين عن قلقهم الشديد إزاء تزايد الإجراءات الجمركية وغير الجمركية المشوهة للتجارة.
واعتبرت المجموعة أن هذه الرسوم غير قانونية وتعسفية، وتهدد بالحد من التجارة العالمية بشكل إضافى، وتعطل سلاسل التوريد، وإدخال حالة من عدم اليقين إلى الأنشطة الاقتصادية والتجارية الدولية.
وتمثل الدول الناشئة الإحدى عشرة التى تشكل مجموعة بريكس، نحو نصف سكان العالم و40% من الناتج الاقتصادى العالمى.
وقبل الرسوم الإضافية التى أعلن ترامب نيته فرضها على دول بريكس، كانت الرسوم المفروضة على مصر تصل نسبتها إلى 10% فقط، بينما الآن سيتم إضافة 10% أخرى، أى ستصل إلى 20%، ويسلب مصر الميزة النسبية والأفضلية التى كانت تتمتع بها خاصة فى إمكانية زيادة حجم صادراتها للولايات المتحدة، فى ظل فرض رسوم جمركية أعلى على الدول المنافسة.

من جهته، قال الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادى، إن الرئيس الأمريكى يبحث عن مصلحة بلاده بعد فرض الرسوم الإضافية على دول بريكس والمتحالفين معها.
وأضاف «الإدريسى»، أن الرسوم الأمريكية ستؤثر بالسلب على حجم الصادرات المصرية للولايات المتحدة وأصبحنا كغيرنا من الدول، بعدما كان لدينا أفضلية نسبية عنهم لأن نسبة الرسوم كانت 10%، بينما ستصل إلى 20% إذا أقرها ترامب فعليا.
وأوضح الخبير الاقتصادى، أن عائدات الرسوم الجمركية وصلت حاليا إلى 100 مليار دولار ومن المتوقع أن تصل إلى 300 مليار دولار، كما أن ترامب استطاع تخفيض حجم الواردات إلى أمريكا بنسبة ما، وهو يرى فى ذلك نجاحا بالنسبة له.
وأشار إلى أن «ترامب» يتخوف من سياسات دول بريكس الخاصة بالتبادل التجارى بالعملات المحلية وزيادة التبادل التجارى بين الأعضاء فضلا عن السعى لإصدار عملة موحدة، وكل ذلك يرى أنه ليس فى صالح الولايات المتحدة والدولار، وبالتالى سيفرض على دول البريكس والمتحالفين معها رسوما إضافية.
وتابع، «أمريكا لن تقف متفرجة وتنتظر مشاهدة انهيار عملة الدولار أمام أعينها، ولذلك يمكننا القول بأن الرسوم الإضافية على دول بريكس نوع من أنواع الترهيب والتخويف، خاصة بعد تصريح ترامب بأنها تتبع سياسات معادية للولايات المتحدة لتخفيض هيمنة الدولار على التجارة العالمية».
ولفت «الإدريسى»، إلى أن مصر لابد وأن تقيم علاقات متوازنة مع دول الشرق والغرب، ولا ترتمى فى أحضان طرف واحد، مقترحا ضرورة أن تعيد تقييم مسألة تواجدها فى مجموعة بريكس، والإجابة على التساؤل الأهم وهو هل استفدنا أم تضررنا من تواجدنا فى المجموعة، ولنا فى السعودية خير مثال، عندما قررت تعليق عضويتها فى المجموعة، وبالتالى إذا لم نحقق مكاسب من وراء الانضمام إلى بريكس واتضح أن سياساتها مجرد رؤى ووعود مستقبلية قد يتم تنفيذها أو لا، وأنها أكسبتنا عداوات كنا فى غنى عنها، فيجب علينا تعليق عضويتنا فيها حتى تضح الصورة كاملة أمامنا.
وتابع، «بعد كل ذلك يجب ألا نندهش من تأجيل مراجعات صندوق النقد الدولى، وتأخير القروض، وزيادة الرسوم الجمركية علينا».
مواجهة

والتقطت أطراف الحديث الدكتورة يمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، مؤكدة أن مصر يجب أن تجهز نفسها بشكل كامل من أجل مواجهة رسوم ترامب الجمركية أو غيره، لأن استعدادنا الاقتصادى الجيد يمنحنا القوة فى مواجهة أى تداعيات اقتصادية عالمية.
وأضافت «الحماقى» أننا لابد أن نعيد حساباتنا بشكل جيد، لأنه للأسف ليس لدينا حسابات دقيقة خاصة فيما يتعلق بتنافسية الاقتصاد المصرى عالميا، ومراجعة هذه الحسابات بشكل مستمر فى كل صناعة.
وتابعت، «لابد أن نتابع أبرز التغيرات التى تحدث فى كل صناعة وكيف ندعم تنافسيتنا فيها من خلال خفض التكاليف وزيادة الإنتاجية، واستخدام التكنولوجيا وزيادة التدريب، لأننا ليس لدينا أسلوب علمى لدعم التنافسية حتى الآن».
وأشارت أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية، إلى أن التنافسية تعنى كيفية تخفيض التكلفة وزيادة العائد، وهذا الأسلوب مفتقد لدينا فى مصر، ويجب علينا زيادة الاهتمام به حتى نستطيع مواجهة أى تعريفات جمركية خارجية.
وأوضحت «الحماقى»، أن رفع إنتاجية العمال وتحسين استخدام التكنولوجيا والبحث العلمى وتوجيه الطاقات العاطلة يرفع من تنافسية الاقتصاد المصرى، لكن للأسف لسنا مهتمين بذلك حتى الآن.
ولفتت إلى أنه على الجانب الآخر هناك مشكلة أخرى تتعلق بالسياسات الاقتصادية وإلى أى مدى تحقق المستهدفات المطلوبة، متسائلة، كيف تعلن الحكومة أنها تسعى لتطوير النظام الضريبى وفى نفس الوقت تقوم برفع ضريبة القيمة المضافة على بعض السلع لزيادة الحصيلة الضريبية، وهنا يطرح السؤال الجوهرى نفسه: هل هناك مسئول يقوم بحساب أثر كل تحرك فى هذا الاتجاه على التكلفة، حتى نستطيع معرفة أسباب ارتفاع التكاليف وتأثير ذلك على التنافسية أم لا؟.
وأكدت أنه إذا نجحت الحكومة فى تخفيض التكاليف فإن قدرات الاقتصاد المصرى سترتفع، وبالتالى نستطيع تحمل رسوم جمركية 10 و20 و30%، ولذلك فإن القدرة على المنافسة عامل هام وحاسم فى تحديد استطاعة مصر المواجهة.
وتابعت، «محور آخر يدعم تنافسية مصر ويعتبر أحد القطاعات الواعدة جدا فى الاقتصاد المصرى وهو الاهتمام بالصناعات الصغيرة والمتوسطة، لكن للأسف لا يتم استثمارها واستغلالها فى المساهمة فى زيادة الإنتاج والصادرات».
وأكدت «الحماقى»، أنه طالما استمرت الدولة فى الاعتماد على المصانع الكبيرة فقط فى مسألة التصدير، فإنها لن تستطيع تحقيق مستهدفاتها فى زيادة الصادرات، لأنه لا توجد دولة فى العالم تعتمد على المصانع الكبيرة فقط فى زيادة صادراتها، مشيرة إلى أن مصر تحتل مرتبة متدنية على مستوى العالم فى مشاركة الصناعات الصغيرة فى الصادرات بنسبة 4% فقط.
وطالبت أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، بإعادة ترتيب الأولويات والتحرك على الأرض بشكل صحيح لتحقيق النتائج المستهدفة، لأن الرسوم الجمركية الإضافية على مصر ستؤثر سلبا على حجم صادرات مصر طالما استمرت فى نفس الأوضاع الحالية.
وأشارت إلى أن الرسوم ستؤثر على التجارة العالمية أيضا بكل تأكيد، خاصة وأن ترامب يريد تحويل التجارة العالمية المتعددة الأطراف إلى تجارة ثنائية من خلال عقد اتفاقيات بين الولايات المتحدة وكل دولة منفردة، من أجل تحويل مكاسب التجارة العالمية إلى أمريكا فقط.
خوف ترامب

وقالت الدكتورة هدى الملاح، مدير عام المركز الدولى للاستشارات الاقتصادية، إن ترامب يسعى إلى فرض الرسوم على دول تحالف بريكس لأنه يستشعر خطورة هذا التحالف على الاقتصاد الأمريكى وعملة الدولار بشكل خاص، بسبب سعى هذه الدول إلى إصدار عملة موحدة للتبادل التجارى ما يعنى تأثيرا مباشرا على قوة الدولار فى الاقتصاد العالمى.
وأضافت «الملاح»، أن دول بحجم الصين وروسيا والهند والبرازيل تتمتع باقتصادات قوية لن تتأثر كثيرا بمثل هذه الرسوم.
وأوضحت مدير عام المركز الدولى للاستشارات الاقتصادية، أن ترامب يريد بفرض هذه الرسوم إظهار قوته للعالم، لكن نتمنى أن تتماسك دول مجموعة بريكس كوحدة واحدة وتقف أمام هيمنة الدولار وتستمر فى سياساتها الحالية، وأن يكون لها وضع فعال ويتحدوا ويقفوا أمام ترامب وإذا فعلوا ذلك سينتصروا عليه.
وتابعت، «ترامب لم ينفذ رسومه الجمركية حتى الآن على مصر وكثير من الدول، لأنه ينتظر إبرام اتفاقيات تجارية معها، لكن من حق هذه الدول الرد عليه بالمثل وفرض رسوم على الواردات الأمريكية إذا قام بتفعيلها رسميا». وفيما يتعلق بوضع مصر، أشارت الملاح، إلى أن مصر يمكنها الرد على ترامب لكن بشرط مراعاة الاتفاقيات الدولية فى مجال التجارة الموقعة بين البلدين، كما يجب علينا أن نظهر أمامه فى موقف قوة وليس ضعف، خاصة إذا كنا نمتلك ميزة نسبية فى أحد المنتجات التى نصدرها إلى أمريكا. واختتمت «الملاح» تصريحاتها بالتأكيد على أن المتضرر الأكبر من فرض رسوم ١٠% إضافية هو المستهلك الأمريكى الذى سترتفع عليه أسعار السلع المستوردة.