بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

ﺳﻮرﻳﺎ ﺑين الخراﺋﻂ الممزقة وﺷﺒﺢ اﻟﻀﻴﺎع

بوابة الوفد الإلكترونية

اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﺑﺪأ ﻓﻰ اﻟﻮﻋﻰ والجﻐﺮاﻓﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﻋﺼﺎﺑﺎت ﻣﻨﻔﻠﺘﺔ

خبراء سوريون لـ«الوفد»: التقسيم بدأ فى الوعى والجغرافيا على يد عصابات منفلتة 

محلل لبنانى: تل أبيب ترسم خريطة سوريا الجديدة والشرع يتواطأ بالصمت

 

بعد أكثر من عقد على اندلاع الثورة السورية، لم تعد البلاد كما كانت، لا سياسيًا ولا جغرافيًا ولا حتى هوياتيًا. واقع التقسيم بات ملموسًا على الأرض، وإن لم يُعلن رسميًا، حيث تشكّلت ثلاث مناطق نفوذ رئيسية تتقاسم السيطرة الفعلية على البلاد، وسط غياب فعلى للدولة المركزية.

فى المنطقة الأولى، يسيطر النظام السورى بدعم روسى وإيرانى على دمشق والساحل ومعظم مناطق الوسط، فيما المنطقة الثانية تخضع للإدارة الذاتية الكردية بدعم أمريكى وتشمل شمال شرق البلاد، أما المنطقة الثالثة فهى تحت سيطرة فصائل المعارضة المدعومة من تركيا وتغطى شمال غرب سوريا. هذه المناطق تُدار بأنظمة مالية وقانونية وتعليمية مختلفة، وتُرفع فيها أعلام مختلفة، ما يعكس تحلّل الهوية الوطنية.

التحديات التى تواجه الرئيس الانتقالى أحمد الشرع هائلة، فى ظل تركيبة طائفية وعرقية معقّدة تشمل السنة، والعلويين، والدروز، والأكراد، والمسيحيين، وكل منها له روايته وموقعه وتحالفاته. فالدروز فى السويداء يرفعون شعار الإدارة الذاتية، والأكراد يصرّون على الحكم الذاتي، بينما تعود درعا تدريجياً إلى لغتها الثورية وترفض الخضوع الكامل لدمشق.

أما على مستوى اللاعبين الدوليين، فقد تحوّلت سوريا إلى رقعة شطرنج إقليمية ودولية على رأسها روسيا تمسك بزمام القرار العسكرى وتدير قواعدها فى الساحل وتفاوض على النفوذ السياسي. فضلاً عن الولايات المتحدة التي لها نفوذ مستقر فى شرق الفرات وتدعم الإدارة الكردية. أما عن إيران فتنشر ميليشياتها وتسيطر على البنية الأمنية والاقتصادية فى مناطق متعددة.

واللاعب الأساسى هو تركيا التي تفرض وجودًا مباشرًا فى الشمال السورى وتدير المناطق من عفرين حتى رأس العين. فضلاً عن إسرائيل التي تنفذ ضربات منتظمة دون أن تواجه ردًا حقيقيًا، وتؤثر ميدانيًا وسياسيًا، خصوصًا فى الجنوب.

رغم حديث النظام والمعارضة عن وحدة سوريا، تشير التقارير إلى قبول ضمنى دولى بـ«تقسيم وظيفي» مؤقت، يسمح بإبقاء الوضع القائم مقابل تفادى عودة الحرب الشاملة. وتشير تسريبات إلى طرح «لا مركزية إدارية مرنة» كحل واقعي، بينما يتحدث مسئولون أمميون عن «واقع أمر مفروض» يجعل من وحدة سوريا مجرد عبارة مكرّرة فى المؤتمرات.

وفى ظل هذا الواقع، لا تلوح فى الأفق بوادر توحيد فعلى للدولة السورية، بل يتعزّز الانقسام عامًا بعد عام، ويتعمّق التشقق فى الهوية والمناهج والتعليم والاقتصاد. لم تعد سوريا الموحدة موجودة على الأرض، بل تُرسم اليوم من جديد بمسطرة النفوذ، وسط صمت دولى وواقعية باردة تقبل بالأمر الواقع.

من جانبه يرى المحلل السياسى السورى يعرب خيربك فى تصريحه لــ«الوفد» أن عملية التقييم بدأ يوسس لها فى الوعى والجغرافيا، وهناك من يحاول أن يجعل الأقاليم فى سوريا تكفر بسوريا والعروبة سواء فى الساحل السورى أو الأكراد أو حتى السويداء. وأشار إلى أن الأحداث الأخيرة جاءت ممنهجة، وتخطط للحقد بين الطوائف من خلال إهانة رموز ومشايخ معروفة، وهو ما ظهر فى فيديوهات حلق الشوارب وهو ما حول فئة ما الى أعداء الوطن. 

وأشار المحلل السورى الى أن الدور الإسرائيلى جاء لتقسيم الهوية ويحاول جعل المنطقة تابعة له مانحًا إيحاء أنه المخلص ولفت إلى أن غياب الدستور  ساهم فى هذا الفوضى رغم نوايا القيادات الطيبة، لكن هناك أطرافًا كثيرة منفلتة وصعب السيطرة عليها تساهم فى تأسيس وخلق حدود طائفية وعرقية.

وفى السياق  اعتبر المحلل السياسى اللبنانى الدكتور عبد الله نعمة أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة على دمشق، وما رافقها من استهداف مباشر لمراكز حساسة كوزارة الدفاع ورئاسة الأركان ومحيط القصر الجمهوري، تُعدّ إهانة موصوفة للنظام السورى الجديد برئاسة أحمد الشرع، الذى جاء إلى السلطة على ظهر دبابة تركية وبرعاية أمريكية واضحة، وبتسهيل غير مسبوق من إسرائيل.

وفى حديث خاص لـ«الوفد»، قال نعمة إن ما حدث على الأرض ينسف كليًا الادعاءات بأن الشرع ليس حليفًا لتل أبيب، مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فضح هذه العلاقة عندما أقرّ علنًا بالدور الإسرائيلى فى ترتيب المعادلة الجديدة داخل سوريا. لكنه أضاف أن الاعتراف العلنى لم يكن ضروريًا، فـ«الواقع وحده يشرح المهمة الموكلة للشرع، وهو يكشف طبيعة الترتيبات الإقليمية والدولية التى أفرزت هذا التحول».

وأشار الدكتور نعمة إلى أن الجميع رأى بأمّ العين كيف مهّد الطيران الإسرائيلى الطريق أمام زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، ورفاقه، لدخول دمشق دون أى عوائق أو مقاومة، معلنين ما سموه تحريرًا لسوريا، فى حين أن المشهد كان بمثابة تسليم منظم للسلطة، تمّ تحت غطاء تركى أمريكي.

ويضيف نعمة: «لم تمضِ ساعات على دخول الجولانى دمشق، حتى شنّت إسرائيل ضربات مركزة دمّرت خلالها البنية العسكرية السورية بالكامل، وسط صمت مريب من أحمد الشرع، الذى لم يصدر عنه أى موقف يُدين أو حتى يعلّق على الهجمات، وكأن ما حدث لا يعنيه».

وأوضح المحلل السياسى اللبنانى أن إسرائيل، وبدعم تركى وأمريكي، تمددت سريعًا فى الجنوب السوري، واستولت على مواقع استراتيجية، أبرزها جبل الشيخ، وبدأت فى إنشاء قواعد عسكرية دائمة، فى ظل صمت كامل من الشرع ونظامه، بل وتواطؤ واضح عبر لقاءات واتصالات تجرى خلف الكواليس لترتيب خطوات تطبيع تدريجية مع تل أبيب.

وتابع: «الشرع لم يكتفِ بالصمت، بل قدّم تنازلات حقيقية تمس السيادة الوطنية، وتصبّ فى مصلحة إسرائيل وتركيا وأمريكا، وعلى رأسها التفريط فى الجنوب السوري، تحت ذرائع إعادة الاستقرار والانخراط فى العملية الانتقالية».

ويشير الدكتور نعمة إلى أن الدول التى دعمت هذا التحول السياسى – سياسيًا واقتصاديًا – لم تكن بريئة، بل كانت تتحرك بدوافع مصالح ضيقة وأطماع إقليمية، على حساب الشعب السورى وأرضه وثوابته. ويضيف: «إسرائيل لم تكن قادرة على تنفيذ أجندتها فى سوريا طيلة سبعين عامًا، لكن فجأة تغير كل شيء بدخول الجولانى والشرع، وبحجة تحرير سوريا».

وحول ما جرى فى السويداء، اعتبر نعمة أن التصعيد الإسرائيلى هناك ليس مجرد تطور أمني، بل رسالة سياسية وجهتها تل أبيب إلى تركيا وقطر – الداعمين الأساسيين للجولانى – مفادها أن السيطرة الحقيقية ما زالت فى يدها، وأن هامش حركتهم محدود وعاجز عن رد الإهانة.

وفى انتقاد مباشر، أشار الدكتور عبد الله نعمة إلى أن السياسى اللبنانى وئام وهاب يلعب دورًا خطيرًا فى استكمال هذا المشهد، عبر استغلال قضية الدروز لصالح أجندات خارجية، وبتمويل  مكشوف، يجعله يتاجر بدم الطائفة. وأضاف: «من المؤسف أن نراه يهدد السوريين بإسرائيل، ويقوم بدوره بالكامل ضمن هذه المسرحية المهينة».