بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الحوسبة الكمومية تهدد مستقبل الأمن السيبراني العالمي

بوابة الوفد الإلكترونية

في ظل التحول السريع نحو عصر الحوسبة الكمومية، أطلقت شركة كاسبرسكي للأمن السيبراني تحذيراً من التهديدات الرقمية المتزايدة التي قد تعيد تشكيل مشهد الأمن السيبراني عالميًا خلال العقد المقبل. وتعد الحوسبة الكمومية من أبرز التقنيات الناشئة، إذ تعد بقدرات خارقة على معالجة البيانات المعقدة، لكنها في المقابل تحمل مخاطر جدية قد تقوض البنى التحتية الأمنية المعتمدة حاليًا.

 مخاطر متنامية في الأفق

مع بلوغ الحواسيب التقليدية حدودها التقنية، بات نمو أدائها أبطأ، وهو ما يعيق التقدم في قطاعات تعتمد على عمليات حسابية معقدة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، على النقيض من ذلك، توفر الحواسيب الكمومية إمكانيات فائقة في حل مشكلات لا يمكن للأنظمة التقليدية التعامل معها، ما يجعلها محور اهتمام عالمي.

ورغم أن تطبيقاتها لا تزال محدودة وفي إطار تجريبي، إلا أن العديد من الخبراء يتوقعون ظهور حاسوب كمي خالٍ من الأخطاء خلال السنوات العشر المقبلة. وهو تطور قد يحمل فرصًا غير مسبوقة، لكنه في المقابل ينذر بظهور فئة جديدة من التهديدات السيبرانية. ووفقًا لتقرير ديلويت العالمي 2024 حول مستقبل الأمن السيبراني، فإن 83% من المؤسسات بدأت فعليًا اتخاذ إجراءات تحضيرية لمواجهة هذه المخاطر، ما يعكس إدراكًا متزايدًا لحجم التحدي المقبل.

 ثلاثة تهديدات رئيسية

رصدت كاسبرسكي ثلاثة تهديدات رئيسية مرتبطة بالحوسبة الكمومية، تتطلب استجابة فورية من المؤسسات والحكومات وشركات الأمن السيبراني:

1. تخزين البيانات الآن وفك تشفيرها لاحقًا
  من أخطر الاستراتيجيات التي تعتمدها جهات التهديد اليوم هي جمع البيانات المشفرة بغرض فك تشفيرها في المستقبل عند توفر حوسبة كمومية متقدمة. وتشمل هذه البيانات اتصالات دبلوماسية، معاملات مالية، ومحادثات حساسة. وإذا لم تُحمى هذه البيانات بتقنيات تشفير مقاومة للكم، فإن كشفها لاحقًا سيكون مسألة وقت فقط.

2. استهداف البلوكتشين والعملات المشفرة
  رغم شهرة تقنية البلوكتشين بكونها آمنة، إلا أن كاسبرسكي تحذر من أن خوارزميات التوقيع الرقمي المستخدمة في عملات مثل بيتكوين وإيثيريوم، مثل ECDSA، قد تكون عرضة للاختراق بواسطة الحوسبة الكمومية. وقد يؤدي ذلك إلى تزوير التوقيعات الرقمية، أو اختراق المحافظ الرقمية، أو حتى التلاعب بسجل المعاملات، ما يقوض الثقة بالنظام بأكمله.

3. ظهور برمجيات فدية مقاومة للحوسبة الكمومية
  في المستقبل، قد يستخدم مطورو برمجيات الفدية تقنيات تشفير مقاومة للحوسبة الكمومية، ما يعقد عمليات استرداد البيانات دون دفع الفدية. وتشير التوقعات إلى أن هذه البرمجيات ستكون قادرة على مقاومة محاولات فك التشفير، سواء باستخدام الحواسيب التقليدية أو الكمومية، مما يجعل استرداد البيانات شبه مستحيل في حال وقوع الهجوم.

 الحاجة إلى انتقال مبكر لتشفير ما بعد الكم

رغم أن الحوسبة الكمومية لا تمثل تهديدًا فعليًا بعد، إلا أن كاسبرسكي تؤكد أن الاستعداد يجب أن يبدأ الآن. فعملية الانتقال إلى خوارزميات ما بعد الكم قد تستغرق سنوات، وتتطلب جهودًا منسقة بين مؤسسات القطاعين العام والخاص.

وينبغي وضع سياسات وطنية واستراتيجيات مؤسسية تدعم هذا الانتقال، مع الاستثمار في تحديث البنى التحتية الرقمية وتعزيز قدرات فرق الأمن السيبراني على التعامل مع الجيل الجديد من التهديدات.

أوضح سيرجي لوجكين، رئيس مناطق الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ في فريق البحث والتحليل العالمي لدى كاسبرسكي، أن الخطر الحقيقي لا يكمن في المستقبل البعيد بل في الحاضر ذاته، وقال: "البيانات المشفرة ذات القيمة المستدامة معرضة اليوم لخطر فك تشفيرها في المستقبل. القرارات التي نتخذها الآن في مجال الحماية ستحدد مدى قدرة بنيتنا التحتية الرقمية على الصمود لعقود مقبلة".

ودعا لوجكين المؤسسات الحكومية والتجارية ومقدمي الخدمات الرقمية إلى بدء التكيّف فورًا، محذرًا من أن التأخر في الاستجابة قد يؤدي إلى ثغرات يصعب إصلاحها لاحقًا.

تحذير مبكر لحقبة جديدة من الأمن السيبراني

يمثل التهديد الكمومي محطة تحول رئيسية في مسيرة الأمن السيبراني العالمي، ويدفع الشركات والمؤسسات إلى إعادة النظر في استراتيجيات الحماية طويلة الأمد. وفي حين تتسارع وتيرة الابتكار التقني، يبقى من الضروري الاستثمار في بنية تحتية دفاعية مرنة، قادرة على التعامل مع المخاطر الجديدة، وتأمين المعلومات الحيوية قبل أن تصبح مكشوفة في عصر الحوسبة الخارقة.