سائق من القليوبية يحتفل بتخرج نجله بطريقة استثنائية

لم يكن يعلم ركاب سيارة الأجرة المتجهة داخل مدينة بنها، أن رحلتهم في هذا اليوم ستكون مختلفة، ليس فقط لأن الأجرة "مجانية"، ولكن لأن خلف المقود يجلس قلب يفيض فرحًا، وعينان تلمعان فخرًا، لرجل لم تمنعه الشيخوخة ولا التقاعد من أن يعيش لحظة نجاح عمره بأبسط وأجمل طريقة.

سعيد أحمد معوض، مدير مدرسة سابق خرج على المعاش، لم يجلس ليستريح كما يفعل الكثيرون، بل اختار أن يستكمل رسالته في الحياة بالعمل، بعدما تجاوز الستين، مؤمنًا بأن العمر مجرد رقم، وأن الكفاح لا يعرف سنًا.

وفي يومٍ لن ينساه، قرر أن يحتفل بتخرج نجله "محمد" من كلية الهندسة بجامعة بنها – قسم الميكانيكا – بعد تفوقه وتميّزه بين الأوائل، بطريقة خاصة، قائلًا:
"النهاردة كل الناس تركب ببلاش.. ابني فرّحني، وعاوز أفرّح الناس زيه"، مضيفًا: "ابني شرفني.. ونصيحتي ليه: اتقِ الله وخلّي قلبك نظيف".

بينما يمسك المقود بيد، يمسك في قلبه وصايا الأب الذي تعب وكافح وربّى، يقول سعيد بصوت يملؤه التأثر:

 "ابني رفع راسي قدام الدنيا كلها.. شقيت وتعبت عشانه، وربنا أكرمني.. نصيحتي له أن يتقي الله في علمه وحياته، يكون مخلص في شغله، متسامح، ويحب الناس زى ما اتربى"، ثم يبتسم بحنوّ ويضيف: "اللي يصر يدفع الأجرة.. بقول له: خلّيها صدقة لله، زي ما ربنا رزقني بفرحة كبيرة."
 

فرحة تُقسم مع الناس.. ومبادرة تُدرس

المواطنون الذين استقلوا سيارة "الحاج سعيد" لم يصدقوا ما سمعوه،. البعض حاول الدفع بإلحاح، وآخرون دعوا له من قلوبهم، وإحدى الراكبات علّقت قائلة: "فرحتنا بفرحتك يا عم سعيد.. ربنا يبارك في ابنك ويكرمك فيه ويخلي لك صحّتك".

ورجل مسن قال له بحب: "يا بختك بابن زي ده.. والأجمل إنك أب عارف قيمة الفرحة ومش ناسي الناس".

الحياة لا تنتهي عند المعاش.. بل تبدأ من جديد

"اشتغلت 35 سنة في التعليم.. خرجت على المعاش وما حبيتش أقعد مكاني، اشتغلت على التاكسي، وربنا سترها، اللي عنده هدف بيعيش، واللي عنده ولاد ناجحين بيعيش ألف مرة".
هكذا لخّص سعيد فلسفته في الحياة، والتي تحوّلت اليوم إلى درس حيّ في المعنى الحقيقي للفخر، والبساطة، والكرم.

شكر وامتنان لأساتذة كلية الهندسة وجامعة بنها

ولم ينسَ "الأب الفخور" أن يوجه رسالة شكر لأصحاب الفضل بعد الله، قائلًا: "كل الشكر والتقدير لأساتذة كلية الهندسة بجامعة بنها، تعبوا مع ولادنا، علموهم وربّوهم على النظام والالتزام.. الفضل يرجع بعد ربنا ليهم، وهما اللي بيصنعوا مستقبل البلد".