بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

رغم الشكوك والمخاوف

بول بيا يعود من الظل ليجدد عهده الثامن

بوابة الوفد الإلكترونية


فى لحظة أدهشت الكاميرونيين وحركت مخاوف العالم، خرج بول بيا، الرئيس الذى قارب المئة، من صمته الطويل ليعلن عبر منشور مقتضب على منصة «إكس» أنه سيترشح مجددًا لقيادة الكاميرون فى انتخابات أكتوبر المقبل. رجل غاب عن الأنظار لأكثر من أربعين يومًا العام الماضى، ليعود اليوم ويقسم بأن «إصراره على خدمة البلاد يتناسب مع حجم التحديات». مرشحا نفسه للمرة الثامنة.
لكن هذا الإصرار ليس محل إجماع. فبيا، الذى يحكم الكاميرون منذ عام 1982، يعد اليوم أقدم رئيس دولة على قيد الحياة فى العالم، ويخوض سباقًا انتخابيًا قد يبقيه فى السلطة حتى يبلغ قرنًا من الزمان. وتحت قناع الهيبة، تقبع دولة تتأرجح بين أزمات اقتصادية، وتمردات انفصالية، وشعب لم يعرف سوى رئيسين منذ الاستقلال.
الإعلان، وإن لم يكن مفاجئًا لمن يعرف طبيعة نظام بيا، جاء ليؤكد أن الكاميرون تواصل الدوران فى فلك رجلٍ واحد، وأن البلاد على أعتاب سباق رئاسى محموم لن يكون تقليديًا.
الأنظار اتجهت فورًا إلى صحته، لا سيما بعد حادثة الاختفاء الطويل عام 2023، حينما أُغلقت الصحف، وحظرت الأسئلة، وسادت رواية رسمية تؤكد أنه «بخير». فى ذلك الوقت، كان الرعب يتنقل همسًا بين النخب: ماذا لو لم يعد؟ من يُمسك بزمام الدولة؟ وكيف سيواجه الجيش والجهاز البيروقراطى هذا الفراغ المفاجئ؟
بيا، الذى ألغى فى 2008 القيود على فترات الرئاسة، يواجه اليوم خصومًا أشد عزمًا، لكنهم أضعف تنظيمًا. موريس كامتو، خصمه الأبرز عام 2018، وعد بجولة ثانية من المقاومة الديمقراطية. كابرال ليبى، الصوت الشاب الصاعد، يتحدث عن «استعادة الدولة من قبضة الشيخوخة السياسية». أما المحامى أكيرى مونا، فدعا إلى «جمهورية تتنفس بعد أربعة عقود من الاختناق».
مع ذلك، لا يزال النظام يمسك بمفاصل الدولة بقبضة من حديد. الانتخابات السابقة وصفت بـ «مسرحية»، والإعلام الرسمى يحتفى برئيس «يحكم بحكمة الآباء»، بينما يتم إسكات كل من يتساءل: هل تصلح البلاد لحكم أبدي؟
القلق لا يأتى فقط من المعارضة. حتى داخل أروقة الحزب الحاكم، تهمس بعض الأصوات عن قلقها من فراغ محتمل إذا سقط الرئيس فجأة. ومع التحديات الأمنية فى الشمال، حيث لا تزال جماعة بوكو حرام تهاجم، وتمرد المناطق الناطقة بالإنجليزية الذى لم تخمد نيرانه، تبدو البلاد بحاجة إلى طاقة سياسية جديدة أكثر من أى وقت مضى.
أزمة الخلافة التى تلوح فى الأفق قد لا تكون مؤجلة طويلاً. رجل يبلغ 92 عامًا، نادرًا ما يظهر علنًا، ويفوّض معظم صلاحياته لرئيس ديوانه، يطلب من شعبه ولاية جديدة حتى يبلغ المئة. يبدو المشهد أشبه بإعادة تدوير الزمن، فى بلدٍ لم يعرف إلا الجمود السياسى، والبقاء فى السلطة بوصفه فضيلة.
بيا يحاول اليوم الاستفادة من الولاء القبلى، والخوف من المجهول، وترسانة القوة، ليحشد دعمًا يكفيه جولة انتخابية جديدة. لكنه يواجه فى المقابل وعيًا جديدًا يتشكل، خاصة فى الأجيال الشابة التى ترى فى استمرار هذا الحكم الطويل عقبة أمام مستقبلهم.
الكاميرون، المنتج الغنى بالنفط والكاكاو، باتت من أكثر الدول هشاشة فى وسط أفريقيا. لا بسبب مواردها، بل لأن مستقبلها رهين برجل واحد فقط. وعندما يكون الحاكم فى سن الثالثة والتسعين، فإن أى قرار قد يُشعل البلاد، أو يعيدها إلى الاستقرار.. أو يسقطها فى فوضى الخلافة.