بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مصطفى التوني: درع بشري أنقذ الأبرياء من رصاص الغدر ومات بطلًا

محرر الوفد مع أسرة
محرر الوفد مع أسرة الضحية

لم تكن الطلقة التى اخترقت بطن مصطفى التونى مجرد رصاصة أطلقت من سلاح خرطوش، بل كانت بداية مشهد بطولى نادر الحدوث، وفصلا دامعًا فى قصة فداء، اختار خلالها مصطفى أن يكون درعًا بشريًا بحمى الأطفال والنساء من الموت، فى مشهد يتجلى فيه النبل فى أبهى صوره.


فى أحد شوارع منطقة كفر الجبل بحى الهرم، كانت الحياة تمضى كعادتها، إلى أن اخترقها وميض العنف المسلح على يد بلطجية يستقلون دراجة نارية، أطلقوا النار بعشوائية وقسوة، ناشرين الرعب بين الأهالى، فى تلك اللحظات، لم يفكر مصطفى فى الفرار أو فى إنقاذ نفسه، بل اتخذ قرارًا فى جزء من الثانية، أن حمي الأرواح البريئة خلفه بجسده، ليتلقي طلقة استقرت فى بطنه.


رغم الإصابة البالغة، لم يسقط مصطفى مباشرة، بل ظل صامدًا، يتحامل على نفسه، متأكدًا أن الخطر قد زال، وان المهاجمين قد هربوا، وبعد أن اطمأن على من احتموا به، سقط أرضًا قابضًا على أحشائه التى مزقتها الرصاصة، وسط صرخات المارة، الذين سارعوا لنقله إلى المستشفى.


هناك ببن جدران المستشفى، خاض مصطفى معركة أخرى بين الحياة والموت، لكن الإصابة كانت أقوى من قدرة جسده، لتخرج روحه الطاهرة إلى بارئها، شهيدًا جديدًا للشهامة والرجولة.


«الوفد » انتقلت إلى موقع الجريمة فى كفر الجبل، حيث بدا المشهد كأن المنطقة كلها قد ارتدت السواد، سيدات بملإبس الحداد، ووجوه الرجال شاحبة، حزينة، والدموع لا تفارق أعينهم، لم نحتج إلى كثير من الوقت حتى وصلنا إلى منزل الضحية، فقد كانت عشرات الايادى ترشدنا إليه، وكأن الجميع يحمل مشاعر مشتركة من الآسى والفخر تجاه ما قدمه مصطفى.

الوفد مع أسرة الضحية
الوفد مع أسرة الضحية


أمام البيت، كانت صور الحزن متجلية، نساء يبكين بصوت منخفض، وأخريات يصرخن من شدة الألم والغضب، فى الداخل، بكاء الأطفال، ودموع الرجال، وصمت يخترقه صوت أم مصطفى، وهى تروى لنا تفاصيل ما حدث، بصوت خافت، وكلمات ثقيلة ممزوجة بالدموع.


قالت: «مصطفى ابنى، كان شايل البيت كله، كان يعولنى أنا وشقيقته وأولادها، كان كريم وحنين، ماكنش بيقول لأ، يومها خرج يشترى سمك عشان ابن أخته قاله عاوز ياكل، وبعدها راح السوق يجيب طلبات المحل والبيت، لكن اللى حصل هناك كسرنا كلنا».


صمتت الأم فجأة، وكأنها تتذكر مشهدًا لا تُريد استعادته، ثم تابعت بصعوبة: «فى السوق، كانت فى خناقة كبيرة، لكن الناس فضّوها، ورجع الهدوء ... لكن بعد شوية، ظهروا التلاتة اللى راكبين الموتوسيكل، معاهم سلاح وبيضربوا نار فى الهوا والناس بتجرى ...مصطفى شاف أطفال وستات بيصرخوا، فجرى عليهم، وقف قدامهم بجسمه عشان الرصاص ما يطولهمش ...وجت فيه الطلقة».


لم يكن المشهد مجرد بطولات تُروى، بل حقيقة عاينها أهل كفر الجبل بأنفسهم، وتناقلوها بدموع الفخر والحزن، قالت الأم، وقد ارتفع صوتها بالبكاء: «كان واقف زى جبل.. ما وقعش إلا بعد ما تأكد إن الكل بخير، وبعدها وقع وهو ماسك بطنه، والناس شالوه على طول وودوه المستشفى، بس الإصابة كانت كبيرة، واستشهد بعد ساعات، والناس كلها بتقول عليه شهيد الشهامة».


كلمات الأم كانت أكثر من شهادة، كانت صرخة فى وجه الظلم والفوضى، قالت بحزم ممزوج بالألم: «أنا أم البطل ... وربنا كبير ... وحسبى الله ونعم الوكيل فيهم ...أنا واثقة فى القضاء المصرى، والإعدام يشفى غليلى».


ثم تحدثت شقيقته، التى لم تستطع كبح دموعها، وقالت بصوت يملؤه القهر: «أخويا كان كل حياتى، كان بيصرف عليا وعلى عيالى، سندى بعد ربنا، ماكنش يحب يشوفنى محتاجة حاجة، قبلها بيوم إدانى فلوس عشان أجيب هدوم للولاد، مصطفى ما يتعوضش، ومش طالبين غير القصاص، ربنا ينتقم من اللى حرمنا منه».


وفى ركن آخر، جلست «أم محمود»، جارة الضحية، تحاول أن تُواسى والدته، لكنها لم تتمالك دموعها وهى تقول: «واللّه مصطفى كان أرجل الناس، ما يتعوضش كان بيساعد الكبير والصغير، وكان محترم وبيجرى فى الخير... دفع حياته عشان ناس ما يعرفهمش حتى ...مات وهو بيدافع عن الأبرياء، حسبى اللّه ونعم الوكيل».


فى كفر الجبل، تحوّلت شوارع القرية إلى سرادق عزاء ممتد، لا حديث فيها إلا عن مصطفى، ذلك الشاب البسيط، الجزار الشريف، الذى عاش كريمًا ومات بطلا.