بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الوزير الكامل!

ليس من الإنصاف تحميل السيد كامل الوزير، وزير النقل، المسئولية الكاملة عن أسباب حوادث الطرق أو الأضرار الناجمة عنها، لأنها مشكلة عالمية تؤرق العديد من البلدان، فقد أفادت منظمة الصحة العالمية بأن 1,9 مليون شخص تقريبًا يفقدون أرواحهم سنويًا بسبب حوادث الطرق، ويتعرض بين 20 و50 مليون شخص آخر لإصابات غير مميتة. وليس من المنطق أيضًا أن يدفع وزير النقل ثمن خطأ سائق «نقل ثقيل أو ميكروباص»، والسؤال هنا : ما هى أزمة السيد كامل الوزير، وعلى أى شىء يمكن محاسبته، إذا كانت حوادث الطرق مستمرة قبل توليه الوزارة، ولن تتوقف بعد خروجه منها؟
عقب المأساة  التى راح ضحيتها 19 فتاة على الطريق الإقليمى يوم الجمعة 27 يونيو، جاءت تصريحات السيد كامل الوزير ردًا على الانتقادات التى وُجهت لسيادته غريبة، مستندة إلى قاعدة «الأنا الغاضبة» فقال: «مش هستقيل ومش هسيبها وأمشى.. أنا فيها لحد ما أموت»، هذا التصريح وحده كفيل بأن يترك السيد كامل الوزير الوزارة، ليس لأن الحادث يقع فى نطاق مسئولية الوزارة التى يترأسها، بل لكونه ضرب «كرسى فى الكلوب»، عندما قرر بهذا التصريح أن يصدم الجميع على الهواء مباشرة، ويعلن أن بقاء سيادته على كرسى الوزارة ليس قرار أحد سواه!
ثم أضاف : «أى مشكك فى شفافية العمليات هاتوا أكبر استشارى عالمى يراجع ورانا وأنا هدفع مرتبه».. هنا ظهرت أزمة «الأنا الغاضبة» بوضوح، حيث قرر أن يدفع راتب الاستشارى وتكاليفه دون التفكير فى السؤال: هل ستسمح الدولة بأن يدفع السيد الوزير راتب هذا الاستشارى الافتراضى إذا تم إحضاره فعلًا أم لا؟!
لم تمنع ردود السيد الوزير الغاضبة على منتقديه، وقوع حادث آخر، فبعد تلك المأساة بأيام قليلة، لا تتجاوز أصابع اليد، لقى 9 أشخاص مصرعهم وأصيب 11 آخرون فى تصادم سيارتى ميكروباص على الطريق الإقليمى فى محافظة المنوفية، فجاءت التوجيهات الرئاسية باتخاذ الإجراءات اللازمة لإغلاق هذا الطريق فى المناطق التى تشهد أعمال رفع الكفاءة والصيانة، مع وضع البدائل المناسبة والآمنة، وذلك حفاظًا على سلامة المواطنين، وكان من الأولى أن تقوم وزارة النقل بهذا الإجراء فوراً بعد مشهد الـ19 نعشاً الذي هز وجدان مصر وأدمى قلبها، دون انتظار أو تأخير.
وبعيدًا عن اتهامات التخوين للمنتقدين أو تصنيفهم فى خانة الأعداء المتربصين، نطرح تلك الأسئلة على السيد الوزير، ربما نصل إلى الأسباب الحقيقية التى تفتك بأرواح الناس على الأسفلت:
هل لدينا بيانات دقيقة خلال الأعوام السابقة عن عدد المصابين والذين لقوا مصرعهم فى حوادث مرورية؟ وهل نعرف أياً من شهور العام كان يحمل النسبة الأعلى فى تلك الحوادث؟ وما هو متوسط الوفيات فى الشهور الأخرى؟ وهل لدينا بيانات تقول لنا أيًّا من أيام الأسبوع أكثر انخفاضًا فى حوادث الطرق وأيها أكثر ارتفاعًا.. ولماذا؟
هل لدينا إحصائيات تحدد بدقة ما هى المناطق التى شهدت أكثر الحوادث عنفًا وفتكًا بأرواحنا ؟ وما هى المناطق الأكثر عرضة لمثل تلك المخاطر ولماذا؟ وكيف يمكن تفادى تلك المخاطر فى المستقبل؟
هل لدينا دراسات تكشف لنا عن حجم النسب المئوية لمسببات حوادث الطرق من تعاطى المواد المخدرة، والإهمال، والسرعة الجنونية، والتشويش الذهنى، أو عدم اتباع قواعد المرور، أو ضعف البنية التحتية للطرق.. أو غيرها من الأسباب.
هل لدينا بيانات توضح لنا بدقة نوع مستخدمى الطرق، من حيث العمر، والجنس، وأيهما الأكثر عرضة لتلك الحوادث وأيهما الأكثر سببًا فى وقوعها؟  
تلك الدراسات والبيانات هى البداية الحقيقة لمكافحة حوادث الطرق والتقليل من حدوثها.
فى النهاية.. من حق السيد الوزير الاحتفاظ بحقه بعدم المبادرة فى تقديم استقالته أو حتى التفكير فيها، طالما يعتقد ويؤمن بأنه لم يرتكب ما يدفعه إلى ذلك، ومن حقنا أيضًا أن ننتقد وأن يتقبل السيد الوزير هذا النقد بترحاب بعيدًا عن تلك «الأنا الغاضبة».  
الخلاصة.. محاولة إصلاح الإنسان أولًا، وتوفير سبل حياة كريمة، والوقوف على الأسباب والمشاكل المجتمعية التى تدفع سائقاً للتعاطى أو العمل 24 ساعة متواصلة ومعالجتها، أهم كثيراً من إنشاء طرق جديدة أو محاولة رفع كفاءة طريق بتكلفة 50 مليار جنيه.
أخيرًا.. عملية البحث عن الوزير الكامل الذى لا يخطأ، غير موجودة، فنحن بشر، نخطئ ونصيب، وطالما أن الوزراء بشر فعليهم تقبل فكرة الخضوع للنقد والتفنيد والمناقشة والمحاسبة إذا تتطلب الأمر ذلك.
حفظ الله مصر من كل سوء.

[email protected]