بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

اتجاه

الردع الاستراتيجى فى حرب إيران- إسرائيل.. وما بعدها!

مع الانتهاء «القسرى» للحرب الإيرانية- الإسرائيلية، ثمة ما يتعلق بضرورة التقييم الميدانى، لكل ما كان لكل طرف، من قدرات الردع العسكرى المتبادل، حتى لو كان هذا الردع، على وشك الانهيار قبل وقف النار، فقد شكلت الـ12 يوماً من الحرب بين البلدين «العدوين»، تحولاً استراتيجياً فى موازين القوى، ليس لديهما وحسب، ولكن فى الشرق الأوسط أيضاً، وعلى وجه الخصوص، مع الضربة الأمريكية «المفاجئة» لمفاعلات إيران النووية، التى فرضت واقعاً مختلفاً، فى طبيعة الصراع الإقليمى هناك، وكانت حافة خطر مرعبة، من اتساع فضاءات التصعيد المباشر، الذى انتهى بضرب إيران، قاعدة «العديد» الأمريكية فى قطر، الأمر الذى تقبلته كل الأطراف، لغرض تجنيب المنطقة حرباً شاملة، وضرورة لـ«تبريد» الغضب الإيرانى، من الاستهداف الأمريكى لمفاعلاتها.
<< لقد كانت المعادلة التقليدية لـ«توازن الرعب»، ما بين إيران من ناحية، وبين كلا من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، من ناحية أخرى، وعلى الرغم مما انطوت عليه، من أسباب ودواعى الاشتباك، غير أنها- ودون تفاصيل- أسهمت فى منع انزلاق المنطقة إلى مواجهات مباشرة، بنفس سيناريو وأيام الحرب «الثلاثية» الأخيرة، وعلى غير ما لها من تهديدات متبادلة، وحسابات دقيقة تتعلق بردود الفعل، إنما كانت تعتمد خيار الحروب بالوكالة، وفق آليات كل طرف، بحيث تضمن الضبط «العسكرى» لحدود الصراع، لكن تغيرت هذه القواعد «فجأة»، ليس بتبادل القصف مع إسرائيل وحدها، لكن مع القصف الأمريكى للمفاعلات الثلاثة «فوردو- نطنز- أصفهان»، الذى تجاوز فكرة «الردع»، إلى الخرق المتعمد لقواعد المواجهة غير المعلنة، مابين إيران وإسرائيل- لعقود طويلة- عبر الوكلاء.
<< ما من تشكيك فى واقع، أن الحرب المباشرة- لأول مرة- التى اختارتها إسرائيل لضرب المفاعلات الإيرانية، بتفوق طيرانها الحربى، وفرضت على إيران الرد والهجوم، بتفوق قدراتها الصاروخية، كشفت عن أن قواعد الاشتباك التقليدية «القديمة»، فد تراجعت إلى حد التآكل، وقت كانت تجرى عبر جبهات عديدة فى صراع البلدين، انطلاقا من المقاومة- حزب الله مثلا- فى جنوب لبنان، إلى عمليات- الحوثيون- فى اليمن ومياه البحر الأحمر، ولم تشارك أو حتى من باب التلويح، فى «ديناميكا» الصراع العنيف، الذى بدت فيه قدرات الرد الإيرانى، على ضربات الطيران الإسرائيلى، على غير المتوقع، مع أنها تفوقت بالتدمير الواسع لمواقع استراتيجية وبنى تحتية- مدنية وعسكرية- فى عموم إسرائيل، لكنه يسجل حقيقة تضرر قدرتها على الردع، مقابل تفوق عسكرى إسرائيلى «جوى»، بحماية مباشرة من الجيش الأمريكى.
<< بالمحصلة.. تظل حقيقة، أن سقوط قواعد الردع المتبادل بين إسرائيل وإيران، بمقاييس حرب الـ12 يوماً، تظل تهديداً ماثلاً فى منطقة الشرق الأوسط، باعتبار كونها كشفت أمام كل طرف متحارب، نقاط الضعف والقوة فى قدراته العسكرية، كما كانت عليه فى ميادين المعارك المتعددة، وبالتالى- وأظنه سيحدث- أنه سيكون مدعاة تفرضها الضرورة السيادية، لسباق تسلح جديد ورهيب، يأتى ضمن منظومة، تعمل أى من إيران وإسرائيل، على بناء ترتيبات أمنية على غير المعتاد، طالما استقر فى العقيدة القتالية عند الطرفين، أن الحرب التى انتهت منذ أيام، لم تكن مجرد تصعيد وقتى، بقدر ما قد يكون من أساسيات مرحلة جديدة، لتحديث وتغيير معادلات الأمن الإقليمى فى المنطقة، وبناء قوة النفوذ والسيطرة، تتراجع أمامها التهديدات المتبادلة، لصالح القدرة على المبادرة، والسرعة الإستباقية فى الهجوم.
<< السيناريو بهذه الصورة وتفاصيلها، يقود منطقة الشرق الأوسط، إلى سباقات ومخاوف مشروعة، ليس من «طنطنة» رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن إعادة تشكيل شرق أوسط جديد، ولكن فى ظل غياب تكتل عربى- إقليمى، يتولى بناء نظام أمنى «جماعى» فعال، يعيد صياغة جديدة لقواعد اللعبة، تحدد دور إسرائيل وتحاصره، فى شرق أوسط بترتيبات، ما بعد انهيار الردع المتبادل، والتى يتوجب على دول كبيرة- عربية وإقليمية- تقييم خياراتها العسكرية وحتى النووية، بغرض توازن للقوى فى المنطقة، تكبح أى استراتيجية هجومية لإسرائيل، وافتراض أن إيران، قد تتحول إلى وسائل مواجهة غير تقليدية، بالأمن البحرى والحروب السيبرانية، فى محاولة لجبر هيبتها فى الردع، مقابل تفوق إسرائيل الجوى.. هى الفرصة التاريخية لإعادة ترتيب المنطقة، وتحديد مناطق السيطرة والنفوذ.. أين العرب؟

[email protected]