بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الناتو يعتمد إنفاقًا دفاعيًا تاريخيًا ويخفف لهجته تجاه روسيا تحت ضغط «ترامب»

بوابة الوفد الإلكترونية

وافق زعماء حلف شمال الأطلسى أمس على رفع كبير فى الإنفاق الدفاعى وأعادوا التأكيد على التزامهم بمبدأ الدفاع المشترك، وذلك فى قمة سريعة ومصممة خصيصًا لطمأنة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. وفى بيان مقتضب، تبنّى الحلف هدفًا جديدًا يتمثل فى تخصيص 5% من الناتج المحلى الإجمالى للإنفاق العسكرى بحلول عام 2035، فى استجابة مباشرة لضغوط «ترامب» ومخاوف الأوروبيين من تصاعد التهديد الروسى منذ غزو أوكرانيا فى 2022.

جاء فى البيان: «نجدد التزامنا الصارم بالدفاع الجماعى كما تنص عليه المادة الخامسة من معاهدة واشنطن»، فى محاولة واضحة لطمأنة «ترامب» الذى أثار قلق الحلفاء قبل القمة بقوله إن للمادة الخامسة «تعريفات عديدة». لكن رغم هذه التلميحات، أكد «ترامب» قبيل افتتاح القمة: «نحن معهم حتى النهاية».

التحالف الذى يضم 32 دولة استجاب لدعوة «ترامب» بزيادة الإنفاق الدفاعى لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة. ووفقًا لتقديرات أولية، فإن هذه القفزة سترفع الإنفاق بمئات المليارات خلال العقد المقبل.

غير أن التحول الأبرز لم يكن فى الأرقام، بل فى اللهجة. إذ كشفت صحيفة «التليجراف» البريطانية عن أن البيان الختامى للقمة، المنعقدة فى لاهاى، سيكون الأكثر اختصارًا فى تاريخ الحلف الحديث، حيث لا يتجاوز 400 كلمة مقارنة بـ5000 كلمة فى قمة واشنطن السابقة. هذا الاختصار جاء استجابة مباشرة لمطالب «ترامب»، الذى رفض أى لهجة تصعيدية ضد روسيا.

المفاجأة الأكبر كانت غياب أى إشارة مباشرة إلى «الغزو الروسى الكامل» لأوكرانيا، وهى عبارة وردت مرارًا فى بيانات القمم السابقة، كما أُزيل التأكيد الصريح على أن «مستقبل أوكرانيا فى الناتو» - وهو ما كان بمثابة العمود الفقرى لرسائل الحلف فى فيلنيوس عام 2023. وبدلًا من ذلك، اكتفى البيان بالتشديد على «الالتزامات السيادية المستمرة للدول الأعضاء تجاه أوكرانيا»، مع احتساب المساهمات فى الدفاع الأوكرانى ضمن نسبة الإنفاق الدفاعى الجديدة، ما يحوّل الحرب الأوكرانية من قضية سياسية إلى بند محاسبى.

هذا التعديل يعكس نجاح «ترامب» فى إعادة توجيه خطاب الناتو نحو أولويات الإنفاق وتقاسم الأعباء، مع تجنّب أى لهجة عدائية تعطل مفاوضاته المستمرة مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. ووفق مصادر مطلعة، فإن «ترامب» هدد بعدم التوقيع على البيان إذا تضمن أى إشارات عدائية لموسكو، ما دفع الحلفاء الأوروبيين إلى قبول بيان «متوازن» يخدم التوافق لا المبادئ.

فى الوقت ذاته، بدا الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى معزولًا فى القمة، وهو يحاول دون جدوى استمالة القادة الغربيين إلى موقف أكثر وضوحًا تجاه العدوان الروسى. ورغم استمرار القصف الروسى وتصاعد الأزمة الإنسانية، فضل بعض القادة الأوروبيين تجنب التصعيد احترامًا للموقف الأمريكى.

البيان يبدأ بالتشديد على المادة الخامسة كضمانة أمنية أساسية - وهو ما اعتبر المقابل السياسى الذى قدمه «ترامب» مقابل تخفيف لهجة الحلف تجاه موسكو. فدعم المادة الخامسة، التى تعتبر أى هجوم على دولة عضو هجومًا على الجميع، جاء مشروطًا بإسقاط اللهجة الحادة تجاه روسيا وتحييد دوافع الدعم المقدم لأوكرانيا.

وعلى منصة X، كتب أندريه يرماك، كبير مستشارى الرئيس الأوكرانى: «تُجرى فى قمة الناتو نقاشات مهمة حول كيفية إجبار روسيا على إنهاء الحرب وضمان سلام دائم. سيواصل الناتو دعم أوكرانيا»، فى محاولة لتهدئة القلق فى الداخل الأوكرانى بعد التسريبات المثبطة.

هذه هى المرة الثانية خلال أسابيع ينجح فيها «ترامب» فى إعادة توجيه التحالفات الغربية بما يخدم أولوياته السياسية. ففى قمة مجموعة السبع مؤخرًا، ضغط لفرض صيغة تدين إيران وتربطها بتصعيد الشرق الأوسط، رغم اعتراضات أوروبية. ويبدو أن «ترامب»، الذى يعيد رسم خريطة التحالفات والخصومات الدولية وفق حسابات أمريكا أولًا، يستخدم ثقله لخفض التصعيد تجاه روسيا فى الوقت الذى يشدد فيه نبرة الغرب تجاه خصومه الآخرين.