هوامش
الحرب نبأت المصريين بتأويل ما لم يستطيعوا عليه صبرًا
بعد أيام من القصف المتبادل، والعمليات الاستخباراتية، والضربات النوعية التي أضاءت سماء الشرق الأوسط، وضعت الحرب الإسرائيلية الإيرانية أوزارها. احتفل كل طرف بما اعتبره "نصرًا"، في حين بقيت المنطقة تلملم جراحها، وتتساءل بصوت مرتفع: من الخاسر الحقيقي؟ وهل كانت هذه الحرب فعلًا لمنع إيران من استكمال مشروعها النووي، أم مجرد ملهاة عالمية لإلهاء الشعوب وإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية في الخفاء؟
الحرب لم تكن شاملة، لكنها كانت دقيقة. استهدفت مواقع ومنشآت حساسة، تباهت إسرائيل بنجاحها في تعطيل القدرات النووية الإيرانية ولو مؤقتًا، فيما أعلنت طهران قدرتها على الردع والمناورة دون الانهيار. لكن في حقيقة الأمر، لم تُحسم المعركة عسكريًا، بل كشفت عن لعبة أوسع تدور في الكواليس ، ربما تكشفها الأيام لاحقاً.
الخاسر الحقيقي لم يكن طهران أو تل أبيب، بل شعوب المنطقة، التي دفعت ثمنًا باهظًا من أمنها واقتصادها واستقرارها. وكالعادة، تمددت الفوضى نحو الدول الهشة، وابتعد الانتباه عن القضايا المصيرية كالقضية الفلسطينية، وحق تقرير المصير، والمخاطر البيئية والاقتصادية.
توقيت الحرب، وطبيعة الانتصارات المزعومة، توحي بأنها لم تكن سوى "عرض جانبي" في سيناريو أكبر، ربما لإشغال القوى الكبرى أو فرض وقائع سياسية واقتصادية جديدة على الأرض. إنها لعبة أمم بامتياز، فيها الخداع بقدر السلاح، والدعاية بقدر الذخيرة.
منذ 7 اكتوبر، وحتى إعلان نهاية الحرب الإيرانية الإسرائيلية بدت الأحداث كاشفة لوضع مصر ومكانتها. فلم تعد مجرد دولة إقليمية، بل قوة عظمى بحكمة قيادتها، واتزان مواقفها، وقوة تأثيرها. مصر رفضت الانجرار خلف مغامرات إقليمية، واحتفظت لنفسها بدور "رمانة الميزان"، القادرة على إدارة التوازنات، وفرض مبادرات السلام، والدفاع عن الثوابت القومية دون انفعال.
الأحداث الملتهبة دحضت تلك الحملات المسعورة التي شنها الأخوان والخونة بالخارج على السياسة المصرية بالداخل والخارج وعلى مشروعات التنمية وتسليح الجيش والتشكيك في أولويات الإنفاق ، تلك الأحداث تنبئ الآن بعض المصريين الذين صدقوا يوماً تلك الحملات بتأويل ما لم يستطيعوا عليه صبراً ولكن دون فراق لأنهم فصيل من الشعب انخدع بادعاءات زائفة نتيجة ضغوط إقتصادية يعاني منها العالم أجمع، الآن حان الوقت ليدرك الجميع أن القيادة المصرية عبرت بالوطن أعتى الأزمات، وها هي اليوم تثبت أنها الطرف الأكثر وعيًا في محيط مشتعل. لم تتورط، بل حافظت على مؤسساتها، وعلى أمن حدودها، وأظهرت قوة مفرطة ، وقدرة ناعمة وصلبة في آنٍ واحد، جعلت من القاهرة اليوم عاصمة القرار العربي وصاحبة الرؤية التي لا تحتاج إلى ضجيج.
قد يكون الطرفان أعلنا النصر، لكن الحرب كشفت أن النصر لا يكون بالصواريخ، بل بالثبات والوعي. ومصر – وسط جنون الشرق الأوسط – بقيت صامدة، وهادئة، وواثقة... وهذا هو النصر الحقيقي.
تحيا مصر .. تحيا مصر.. تحيا مصر .
[email protected]