بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

أوراق مسافرة

«ترامب» وسلسلة الخداع

فى زمن الحرب يتغير المعطى والنتيجة كل دقيقة، ولست أدرى ما سيحدث من تطور بين المواجهة الإسرأمريكية مع إيران حتى موعد نشر المقال، فقد تحدث متغيرات تقلب الموازين وكل التوقعات من تحاليل سياسية، لكنى هنا سأتناول معطيات تكشف سلسلة خداع مارسها ترامب ليس مع العالم فقط بل مع شعبه، وهو خداع وكذب فاجر، فقبل دخوله على الخط الساخن لضرب إيران مهرولاً «لبيك إسرائيل» أعلن قبلها بساعات قلائل عن مهلة أسبوعين لتعود إيران إلى طاولة المفاوضات وتوقف الحرب، وإيران لم تكن قد توقفت قبلها عن المفاوضات النووية أصلاً، وبعد إعلانه هذا إذا بالطائرات الأمريكية تدك مواقع المفاعلات النووية وسط معلومات عن فراغ تلك المواقع من النووى الإيرانى فعلياً ومعداتها ونقلها فى مكان آخر آمن، وهى معلومات مثيرة للتساؤل والتعجب، هذه الخدعة الترامبية يدرك المحنكون السياسيون أنها لم تكن وليدة تطورات الموقف من رد إيران على إسرائيل، بل هى خدعة مسبقة التجهيز والترصد، أعد لها ترامب منذ بداية دخوله البيت الأبيض هذه المرة، فمعلوم أن إسرائيل لا تتحرك خطوة إلا بمباركة أمريكية، بل بإيعاز منها، والتدخل الأمريكى كان معداً له أيضا بدليل إخلاء معظم القواعد الأمريكية فى الشرق الأوسط، أى أنه وبشكل واضح ترامب خدع إيران والعالم وخدع شعبه ووعوده الإنتخابية بتكريس جهده لتحقيق التقدم والإسقرار وعدم دفع أميركا فى صراعات خارجية، والتعهد بعدم إشعال حرب عالمية ثالثة، بل كان أحد أسباب فوزه هو إدانته الدائمة لتورط أميركا فى حروب خارجية وتعهده بعدم تعريض حياة جنود أمريكا للخطر، بل إن أحد أسباب نجاحه فى انتخابات ٢٠١٦ وتفوقه على هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية السابقة هو إدانته لخوض أمريكا حروباً فى الشرق الأوسط بعد ١١ سبتمبر ٢٠١١. قد يكون من المسموح فى السياسة أن يراوغ السياسى خارجياً لمصلحة بلده، ولكن غير مسموح أن يخدع شعبه ويكذب عليهم ويفاجئهم بعكس وعوده، خاصة شعباً مثل أمريكا، والأكثر غرابة تكلف أمريكا هذا الحرب فى وقت تعانى داخلياً من قلاقل بسبب عمليات طرد الأجانب غير الشرعيين، هو الطرد المبنى على حجة توفير الأموال والخدمات وفرص العمل والسكن لمن يستحق فقط أبناء الشعب الأمريكى، لذا إشعال ترامب للحرب فى هذا التوقيت الغريب لهو خداع فج وتحدٍّ لأوضاع شعبه وتحميل دافعى الضرائب تكلفة تلك الحرب لأجل عيون إسرائيل أو لأجل تركيع إيران واستسلامها غير المشروط، على غرار ما فعلته أمريكا سابقاً فى اليابان بضرب هيروشيما وناجازاكى بالقنابل الذرية لتركيعها، وما فعلته فى العراق، حتى لو كان اعتماد ترامب فى تمويل حرب إيران على ما جمعه من دول الخليج فى رحلته الأخيرة، فهو لن يتمكن بسرعة من وقف الحرب بعد إنفاق هذه المليارات على الحرب. ويبقى السؤال، هو كيف سيتعامل الشعب الأمريكى مع كذب ترامب وخداعه لهم، ولعقه لوعوده الانتخابية، والإيعاز للطفل الأمريكى اللقيط ببدء الضربة ومن ثم تلبيته النداء؟ وذلك فى توقيت كادت فيه مفاوضات التفاهم بين واشنطن وطهران حول الملف النووى أن تؤتى أُكلها. إذا هناك مكاسب لدى ترامب أهم من غضب شعبه عليه، وأهم من ظهوره بمظهر المخادع أمام العالم، وأهم من استنزاف بعض المليارات إذا ما طالت الحرب، فما الهدف؟، هل الهدف القضاء الفعلى على طموح طهران فى امتلاك سلاح نووى وهو ما شكل صداعا سياسيا لكل من تقلبوا على البيت الابيض من رؤساء، أو على الأقل تعطيل هذا المشروع بضعة أعوام قادمة ليسجل له تاريخ أمريكا هذا؟ هل الهدف هو إظهار العين الحمراء للصين وروسيا المنافسان الأقوى لأمريكا فى الاقتصاد والسلاح، والإثبات العملى أنأمريكا لن تتردد فى استخدام القوة ضد أى دولة تشكل أى تهديد لها؟ أم الهدف إلهاء العالم عن وحل غزة والذى تورطت فيه أمريكا بشكل أو بآخر مع ضرورة استكمال المخطط والعالم منشغل بعصفورة إيران، أم الهدف كل هذه الأسباب مجتمعة بجانب أسباب اخرى لا يعرفها إلا ثعالب السياسة فى الغرف المغلقة. لا يسود الاعتقاد أن الصين وروسيا ستزجان بنفسيهما فى هذه الحرب، بل ستكتفيان بالدبلوماسية والدعوة للجلوس على مائدة مفاوضات لوقف الحرب وإيجاد حل سلمى حتى لا تتسع وتتحول بالفعل لحرب عالمية ثالثة، فهل تستجيب طهران لدعوات التهدئة بعد كل خسائرها هذه؟،، تعلم طهران أن استجابتها وهى فى موضع الضعف ستعنى انصياعها التام لأمريكا وإسرائيل وتطبيق شروط المنتصر على المهزوم، ورفضها سيعنى الاستمرار فى استنزاف قوتها مع استبعاد تدخل حلفائها الكبار روسيا والصين، على أية حال وحتى الأن يمكن قول أن ترامبة حقق هدفا مطلوبا وهو تعطيل المشروع النووى الإيرانى بضعة سنوات، فليس من المتوقع بعد اغتيال عدد من علماء إيران النوويين وبعد تدمير ٣ منشآت نووية أن تستعيد إيران قوتها لتواصل عمليات تخصيب اليورانيوم النشط وتمضى قدماً فى مشروعها النووى بسرعة، وبهذا يكون ترامب قد استجاب لمزاج ومطلب جناح الصقور من الجمهوريين وأيضا بعض أصوات الديمقراطيين التى تنادى بإخضاع إيران للإرادة الأمريكية، كما حقق نتنياهو بدوره هدف تحويل الأنظار نسبياً عن غزة ليكمل فى هدوء بقية مخططة بها والعالم منشغل بإيران، كما أن اسرائيل الطفل المدلل التى تمتلك سلاحاً نووياً عينى عينك ولا تخضع لاتفاقية نزع السلاح النووى ستصبح متفردة كقوة نووية فى الشرق الأوسط، وهذه فرصتها لإلهاء ايران فلا تواصل تقديم دعمها قوى المقاومة من حزب الله وحماس. إيران فى موقف لا تحسد عليه الأن ما لم تتغير المعطيات بين ساعة وأخرى لصالحها. اللهم احفظ مصر من كيد وخطط الكائدين والخونة من الداخل والأعداء فى الخارج.


[email protected]