مراجعات
الألتراس العربي
في عصر الرقمنة وتداول المعلومات اللحظية، باتت مِنَصَّات التواصل الاجتماعي المصدر الأول والرئيس للأخبار، أسفرت عن ظاهرة مقلقة، تتعلق بتحويل الأكاذيب إلى حقائق افتراضية، أو ما يسمى بـ«البوستات الدوَّارة»، وهي «المنشورات» التي يتم تداولها بشكل واسع وسريع، دون التحقق من صحتها!
يمكننا رصد تلك الظاهرة بشكل واضح، منذ بدء «الكيان الصهيوني» عدوانه على إيران، في 13 يونيو 2025، مرورًا بحرب الإبادة المستمرة على غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وليس انتهاء بالضربة الأمريكية الأخيرة للمنشآت النووية الإيرانية، إذ يُعاد تداول «البوستات الدوَّارة» مرارًا وتكرارًا بين مستخدمي «السوشيال ميديا»، اعتمادًا على عاطفة المتلقي أو خوفه، أو تحفيز الناس على النشر والمشاركة والانتشار، دون أي تفكير!
بكل أسف، تنتشر تلك «البوستات الدوَّارة» بسهولة ويُسر، عند الشعوب العربية المقهورة، التي تُمَنِّي نفسها بالنصر، من دون بذل أي جهد أو تضحيات، لتتعلق بـ«قَشَّة» تلك «المنشورات»، إما بسبب تفوق العاطفة على العقل، أو ضعف الوعي.. أو الثقة المطلقة في الأصدقاء أو المؤثرين!
لعل أبرز المخاطر الحقيقية الناجمة عن «البوستات الدوَّارة»، تكمن في نشر الشائعات، إذ يكون بعضها كاذبًا جملة وتفصيلًا، أو تضمينها معلومات مغلوطة، وبالتالي نلاحظ تأثيرها السلبي، خصوصًا الضرر النفسي الكبير، نتيجة انخفاض الروح المعنوية، أضف إلى ذلك أنها قد تخدم «أجندات خفية» لتضليل الرأي العام، أو تصدير الخوف والهلع غير المُبَرَّرَّيْن!
إذن، ليس كل ما يُنشر يستحق أن يُشارَك، وليس كل ما يُقال هو حقيقة دامغة، لأن «البوست الدوَّار» قد يكون في كثير من الأحايين أداة للتضليل الجمعي، وتغييب العقل والمنطق، ولذلك يجب أن نسأل أنفسنا دائمًا: مَن المصدر، وهل هو موثوق، وإلى أي درجة، وما مدى علمه واطلاعه؟
ربما كان العدوان «الصهيوني»، والبلطجة الأمريكية على إيران، كاشفة بوضوح عن حالة الإفراط أو «التطرف الحادّ» في البُغض والكُرْه، والتأييد المطلَق أو الرفض القطعي، خصوصًا أنه أفرز كثيرًا من الخبثاء المتلونيين الشامتين، الذين تحركهم الأيديولوجيا المغلوطة المدفوعة بـ«كيد النسا»!
للأسف، يبدو واضحًا أن كثيرًا من الشعوب العربية «المغلوب على أمرها» باتت تنتهج سلوك مشجعي كرة القدم «الألتراس»، إذ تحيط بهم الغمامة الأيديولوجية العقيمة، وتجعلهم ينفصلون عن الواقع، ومن ثم اتخاذ مواقف مبنيَّة على الأمنيات!
إذن، لعل أخطر ما تمثله «البوستات الدوَّارة» أنها تعبر عن حالة من العجز الواضح، أو هروب وفرار من واقع بائس، وصولًا إلى سخرية تحمل قَدْرًا كبيرًا من المرارة الخَفَّية.. ليصبح الجميع في حالة «تشجيع» أو استغراق في «الفُرْجَة»، لمتابعة الأحداث من وراء غمامتهم الأيديولوجية، أو موقعهم بين مشجعي «الألتراس»!
أخيرًا.. نقول لهؤلاء الذين ينتظرون عثرة إيران وهزيمتها، سيأتي الدور عليكم، وستقرأون أنتم أو أولادكم في مدارسكم نصوصًا من «التلمود»، وستنشدون «مزامير داود»، بعد أن تصبح «الإبراهيمية» هي الديانة الرسمية!!
فصل الخطاب:
يقول المولى سبحانه: «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ».