في ذكرى رحيل أقدم معمري الأزهر الشريف.. الشيخ معوض إبراهيم

تحل اليوم، الجمعة 20 يونيو، ذكرى رحيل أحد أقدم علماء الأزهر الشريف عمرًا، وأحد أعمدة الدعوة والتعليم في القرن العشرين، الشيخ معوض عوض إبراهيم، الذي وافته المنية في مثل هذا اليوم من عام 2018، عن عمر ناهز 108 أعوام، قضاها في رحاب العلم والدعوة والتربية.
كان الشيخ معوض نموذجًا للعالم الأزهري الزاهد، الذي جمع بين عمق العلم، وتواضع النفس، والتفاني في خدمة الإسلام والمسلمين، حتى بات شاهدًا حيًا على تحولات العالم الإسلامي في أكثر من قرن، ومرجعًا للأجيال المتعاقبة في العقيدة والتربية والسلوك.
النشأة العلمية: من كُتّاب القرية إلى منابر العالم
ولد الشيخ معوض في 20 أغسطس 1912، بقرية كفر الترعة التابعة لمركز شربين بمحافظة الدقهلية. نشأ في بيئة ريفية متدينة، وبدأ مشواره العلمي بحفظ القرآن الكريم في كُتّاب قريته، قبل أن يلتحق بالأزهر الشريف عام 1926.
وحصل على شهادة الابتدائية الأزهرية عام 1930، ثم "الكفاءة" عام 1933، فالمرحلة الثانوية عام 1935، ثم التحق بكلية أصول الدين بالقاهرة، حيث نال درجة التخصص في الدعوة عام 1941، ثم حصل على إجازة الماجستير في التربية وعلم النفس، مما منح تكوينه العلمي بعدًا تربويًا ونفسيًا نادرًا.
سِجل حافل بالمهمات الدعوية
لم يقتصر عطاؤه العلمي على مصر فقط، بل كان من أوائل مبعوثي الأزهر الشريف إلى الخارج، حيث مثّله في العديد من الدول، منها السعودية واليمن والكويت وباكستان، حيث ساهم في نشر الوسطية والاعتدال، والتقريب بين الشعوب الإسلامية.
عمل الشيخ محاضرًا للدراسات العليا بقسم الحديث بكلية أصول الدين عام 1973، ثم مدرسًا بكلية الشريعة في الرياض، وباحثًا علميًا في رئاسة البحوث والإفتاء بالسعودية حتى عام 1976. كما درّس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وكان له إسهام بارز في قسم الدعوة بوزارة الأوقاف الكويتية حتى عام 1985.
وفاء للوالدين.. وقيام في جوف الليل
في أحد حواراته السابقة، عبّر الشيخ عن تعلقه بالدعاء لوالديه، قائلًا: "أشعر أن الله لا يقبل صلاتي إلا إذا ختمتها بالدعاء لأبي وأمي في جوف الليل، مستشهدًا بقول النبي ﷺ: «ركعتان في جوف الليل خير من الدنيا وما فيها»".
كما روى موقفًا مؤثرًا عن وفاة والدته، إذ كان مبعوثًا للأزهر في اليمن، وحين عاد إلى مصر علم أنها توفيت ودفنت، فظل قلبه متعلقًا بزيارتها والدعاء لها حتى وفاته.
عائلة متدينة وناجحة
كان للشيخ تسعة أبناء: ستة ذكور وثلاث بنات، هم: طارق، صلاح، محمود، يحيى، عدنان، أحمد. وقد ربّاهم على ما تربى عليه في بيت والده من التزام وعلم وخلق. وتنوّعت تخصصاتهم بين الدفاع الجوي والطب والهندسة، فيما اختارت البنات التفرغ لرعاية أسرهن بعد إتمام التعليم.
وأكد أنه حرص على معاملتهم بلطف وحنان، وكان يعتبر أن نجاحهم في حياتهم العلمية والعملية نوع من البركة التي رزقه الله بها.
رحلاته الدعوية حول العالم
زار الشيخ معوض إبراهيم عشرات الدول في إطار مهماته الأزهرية والعلمية، من أبرزها: الكويت، السعودية، اليمن، إسلام أباد، لاهور، بيشاور، إندونيسيا، الصين، وغيرها من البلدان التي قصدها طلاب العلم للاستماع إليه والتتلمذ على يديه.
وكان يشعر – كما قال – بأن دائرة عطائه العلمية وإن ضاقت جغرافيًا، إلا أنها اتسعت قلبيًا وروحيًا، وأن الله رزقه القَبول في قلوب الناس، مصداقًا لقوله تعالى:﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11].
في صحبة الكبار
رافق الشيخ عددًا من كبار علماء الأزهر، ومنهم الشيخ عبد الحليم محمود، الذي وصفه بـ "رجل من رجال الله"، وقال عنه: "كان لا يدع فرصة إلا وذكّر فيها بالله، وكان يتمنى أن يكون للأزهر وجود في كل قرية، وقد أعانه الله على إنشاء المعاهد والكليات الأزهرية في أرجاء مصر."
كما تأثر بعدد من الشيوخ الكبار، وعلى رأسهم: الشيخ محمد الأودن، والشيخ الزنكلوني، والشيخ محمد أبو زهرة، معتبرًا أن كل واحد منهم كان له طابعه الخاص، كما قال: "كلما أردت أن أُفضل أحدهم على غيره، وجدت من هو أعظم أثرًا منه."
إرث علمي وروحي خالد
رحل الشيخ معوض إبراهيم عن دنيانا في صمت يوم الأربعاء 20 يونيو 2018، لكن ذكراه لم تغب عن محبيه وتلاميذه، ولا يزال صوته الحنون وكلماته العذبة ومواقفه النبيلة محفورة في وجدان كل من عرفه أو قرأ له أو سمع عنه.
لقد مثّل الشيخ نموذجًا للعالم الأزهري المتكامل: علمًا، ودعوة، وتربية، وزهدًا، وبقيت سيرته شاهدًا على عصرٍ من أنقى عصور الأزهر الشريف.