بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

«فوردو».. الموقع النووى الأكثر تحصيناً فى إيران

بوابة الوفد الإلكترونية

«نيويورك تايمز»: يقع فى أحشاء الجبل.. وأمريكا تملك مفاتيح التدمير

 

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن تشييد موقع فوردو النووى، الأكثر تحصيناً فى إيران، فى عمق جبل لحمايته من أى هجوم جوى، وهو بمثابة الحصن الأخير لبرنامج طهران النووى، حيث يقع تحت أكثر من 80 متراً من الصخور، ويصعب تدميره بأى سلاح تقليدى. ولا يمتلك القدرة على الوصول إليه سوى قنبلة خارقة للتحصينات تزن 30 ألف رطل، تحتفظ بها القوات الجوية الأمريكية دون غيرها.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه القنبلة، المعروفة باسم GBU-57A/B Massive Ordnance Penetrator، تم تصميمها خصيصاً لاختراق التحصينات الخرسانية العميقة والمنشآت المدفونة. وتتميز بغلاف فولاذى شديد السماكة يجعلها قادرة على اختراق التربة أو الصخور أو الخرسانة دون أن تنفجر فور الاصطدام، بل تنفجر داخل العمق المستهدف لتدميره من الداخل. وعلى عكس القنابل متعددة الأغراض، تحتوى هذه القنبلة على كمية أقل من المتفجرات لكنها تعتمد على القدرة الحركية والاختراق العميق. ولا تستطيع حملها سوى القاذفة الشبحية B-2، وهى الطائرة الوحيدة فى الترسانة الأمريكية القادرة على تنفيذ مثل هذه الضربات بدقة.
ورغم أن إسرائيل تملك سلاحاً جوياً متطوراً، فإنها لا تمتلك قاذفات قادرة على حمل هذا النوع من القنابل، كما أن الولايات المتحدة امتنعت مراراً عن تزويدها بهذه القنبلة بالذات. حيث يعتبر البنتاجون أن امتلاك إسرائيل لهذا السلاح قد يدفعها إلى تنفيذ ضربة منفردة ضد إيران، ما قد يشعل حرباً إقليمية واسعة. وقال الجنرال الأمريكى جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية خلال الولاية الأولى لترامب: «لطالما كانت سياستنا قائمة على عدم تزويد إسرائيل بهذه القنبلة، لأنها ليست فقط رادعاً بل أيضاً مورداً استراتيجياً نحافظ عليه لأنفسنا».
لكن هذا لم يمنع إسرائيل من التفكير فى بدائل لضرب فوردو. وبحسب مسئولين عسكريين، فإن الجيش الإسرائيلى يخطط منذ سنوات لاستهداف البنية التحتية التى تدعم تشغيل المنشأة مثل محطات توليد الكهرباء وشبكات النقل. الضربات الجوية على هذه المحطات قد لا تدمر فوردو بشكل مباشر، لكنها قد تعطلها أو تبطئ من قدراتها على تخصيب اليورانيوم. كما تبحث إسرائيل، من خلال عملائها السريين وقوات النخبة، فى سيناريوهات لتفجير مداخل المنشأة أو تنفيذ عمليات تخريبية داخلها.
فى هذا السياق، قال ديفيد ديبتولا، جنرال أمريكى متقاعد ومهندس الضربات الجوية فى أفغانستان والعراق: «إسرائيل لا تفتقر للخيارات. قواتها الخاصة يمكنها تعطيل المنشأة بعدة وسائل». وهو ما أشار إليه أيضاً السفير الإسرائيلى لدى الولايات المتحدة يحيئيل ليتر فى مقابلة على قناة ABC، حين قال: «لدينا خطط طوارئ لفوردو، ولا تعتمد جميعها على الإقلاع والقصف من بعيد».
فوردو ليس منشأة عادية. ففى مارس 2023، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها رصدت فى الموقع يورانيوم مخصباً بنسبة 83.7%، وهى نسبة قريبة جداً من الـ90% المطلوبة لصنع سلاح نووى. ورغم تأكيد إيران أنها تعمل ضمن معاهدة عدم الانتشار النووى وأن برنامجها للأغراض السلمية، إلا أن تلك النسبة أثارت قلقاً دولياً واسعاً.
وقد بنت إيران فوردو بهذا الشكل بعد استخلاص العبرة من الهجوم الإسرائيلى على مفاعل تموز فى العراق عام 1981، حين شنت طائرات إف-15 وإف-16 هجوماً مدمراً على المنشأة النووية العراقية قرب بغداد. 
يقول فالى نصر، أستاذ الشئون الإيرانية فى جامعة جونز هوبكنز: «الإيرانيون تعلموا الدرس العراقى جيداً. فوردو دفن داخل جبل كى لا يمس».
بل إن إسرائيل عرضت على إدارة أوباما خطة لاستخدام مروحيات تحمل كوماندوز لتفجير المنشأة من الداخل، وهى خطة رفضتها واشنطن بسبب خطورتها وتعقيدها. ومع أن إسرائيل نفذت عملية مشابهة العام الماضى ضد منشأة لصواريخ حزب الله فى سوريا، فإن فوردو يعد هدفاً أكثر خطورة وتعقيداً من أى عملية سابقة.
اليوم وبعد أسابيع من الضربات الجوية الإسرائيلية داخل إيران، يقول مسئولون أمريكيون إن تل أبيب تسيطر جوياً على معظم المناطق المحيطة بمنشآت نووية إيرانية. ومع ذلك، تبقى فوردو محصنة. وفى ذلك أكد الجنرال كينيث ماكنزى، الذى خلف فوتيل فى القيادة المركزية: «رغم العمليات السرية الإسرائيلية العديدة، يبقى فوردو هدفاً صعباً للغاية».
وفى حال قرر ترامب، الذى لا يظهر حماسه لعمليات عسكرية جديدة، السماح باستخدام قاذفات B-2 لإسقاط القنبلة الخارقة، فإن العملية لن تكون بسيطة. وأضاف فوتيل: «هذا الهجوم قد ينتج تلوثاً نووياً ويعرض المدنيين للخطر». كما قد ينظر إليه كخرق فاضح لسيادة إيران، ما يخلق أزمة دولية واسعة، ويعرض المصالح والقواعد الأمريكية فى الشرق الأوسط لمزيد من الهجمات.
المخاوف لا تقتصر على الهجوم بحد ذاته، بل تشمل أيضاً تبعاته. حيث يرى محللون أن رد إيران لن يقتصر على إسرائيل، بل قد يمتد لقواعد ومصالح أمريكية فى الخليج والعراق وسوريا، وربما خارج المنطقة. وقد تدخل المنطقة حينها فى حالة تأهب قصوى.
ويبقى أن منشأة فوردو، رغم صمتها وتحصينها، هى الآن فى قلب أعقد المعادلات العسكرية والسياسية فى الشرق الأوسط، والمنشأة التى قد تحدد ما إذا كانت المنطقة ستنجر إلى حرب شاملة، أو تبقى نارها تحت الرماد.