بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

هجمات إعلامية

أثناء حرب الخليج الأولى فى عام ١٩٩١ بدأت القناة الأمريكية CNN فى بث حى للضرب والهجوم الأمريكى مع قوات التحالف الدولى على العراق فى مشاهد أثارت الرعب والخوف فى قلوب الشعوب العربية والتى أدركت لحظتها أن القوى العظمى المسماة أمريكا هى من تتحكم فى العالم وهى من تسقط الأنظمة وتضرب المدنيين من أجل مصالحها السياسية والاقتصادية، ومن يومها حتى تاريخه والحرب الإعلامية لا تقل خطورة وأهمية عن الحروب الفعلية وإن كانت حرب الإبادة فى غزة قد أشعلت العالم الغربى على مستوى الشعوب فى رفض كاسح لما يجرى للفلسطينيين العزل من قتل وتجويع وممارسات غير إنسانية أدت إلى ظهور ذلك الإعلام الشعبى الموازى والذى يفضح السياسات والدول وكل الادعاءات الرسمية والأخبار المعلنة بتوجيهات تخفى حقائق وتبرز أكاذيب وتضلل أكثر مما تنير وتكشف، فجاء ذلك الإعلام عبر تطبيقات جديدة مثل التيك توك والإنستجرام وتويتر أو منصة أكس وبعض منصات يوتيوب ليوثق ما يجرى من مجازر تجاه الشعب الأعزل وكذلك ليعبر من خلاله البسطاء عن غضبهم وأحلامهم حتى أن محكمة العدل الدولية استندت فى أحكامها ضد الكيان على تلك الوسائط الإعلامية الشعبية الجديدة... وفى الحرب الحالية الإيرانية الإسرائيلية نجد الإعلام الفضائى المقرؤ مع المصور يتعاطى بصورة غير مهنية وغير محايدة مع تلك القضية حتى الإعلام العربى الذى سقط فى براثن النقل والمحاكاة للإعلام الغربى مع نكهة الطائفية والمذهبية ولم يتعامل مع معطيات الحرب الدائرة من منظور إستراتيجى ذى أبعاد سياسية حالية ومستقبلية، كما أن التغطية للأحداث انحسرت فى ذات المراسلين المكبلين المحدودى الحريات فى الوصول إلى أماكن التداعيات والإحداثيات التى خلفها الهجوم على طهران ومدنها أو تل أبيب ومحيطها.

وبكل أسف كانت لغة الخطاب الإعلامى العربى منحازة ضمنًا للعدو وللجانب الأمريكى ولم يقف التحليل أو الخبر أو الصورة مع الشعور العام للشعوب العربية، بل على العكس كان مرتديًا بذة وبرنيطة غربية بامتياز ما دعا المتلقى إلى اللجوء إلى قنوات شرقية ومنصات شعبية توثق الأحداث من موقعها الحى وتتابع الأخبار من منظور يشفى صدور من ذاقوا ويلات الحرق والقتل والحرب الغير متكافئة.. فكانت الهجمات الصاروخية متتالية مع هجمات إعلامية من مصادر غير تقليدية ومنصات أخرى وبأساليب ومحتوى يتناسب مع حجم الحدث الذى أسقط لأول مرة أسطورة الكيان الآمن والدولة التى لا تقهر.

إن الإعلام الشعبى يثبت تغيير مفهوم الإعلام التقليدى ويؤكد أنه إذا انفصل الخبر عن الحدث عن المتلقى فإن هذا يستوجب وقفة جادة ورؤية مستقبلية لدور الإعلام فى حالة الحرب والسلم.. الإعلام لغة وثقافة واجتماع وعلم نفس وسياسة وارتباط بالجمهور لأنه توثيق وأيضًا يوجهه بحرفية وعلم وفكر.

الحرب الجديدة هى حرب علم وتكنولوجيا وليست مجرد جيوش ومدرعات؛ العامل البشرى انحسر دورة وتقلص والجيوش لم تعد فى مواجهة بشرية عددية وإنما هى حرب العلم والعلماء وهذا هو المفتاح والمحك الجديد.. الجيوش لها دور ولكن المعامل والبحوث وأصل المعرفة هم من يحددون بوصلة النصر أو الهزيمة والإعلام إن لم يتطور سوف يندثر وينهزم ويذهب أدراج الرياح.