بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الزاد

جوهر السيادة

داخل سياسات الدول، هناك أمور تُعلن وأخرى لا تُعلن.
هناك أفعال تُبرَّر، وأفعال لا تُبرَّر.
كل دولة تتخذ ما تراه صالحًا لها ولشعبها، دون أن تكون ملزمة بالإفصاح عن المبررات. وهذا حق أصيل لها.
الدول لا تُدار بالعاطفة ولا بالشعارات.
فى عالم السياسة، ليست كل الحقائق تُعلن، وليست كل القرارات تُفسَّر.
هناك ما يُبرَّر، وهناك ما يُكتفَى به كخيار سيادى.
فالدول تتحرك وفق ما تراه نافعًا لمصالحها وشعوبها، دون حاجة لشرحٍ دائم أو تبريرٍ مستمر.
هذا حقها، وهذا جوهر السيادة.
ما تابعناه من محاولات دخول قافلة «الصمود» إلى الأراضى المصرية عبر منفذ السلوم، بقصد التوجه إلى معبر رفح الحدودى مع قطاع غزة، لا يمكن فصله عن ضرورة احترام سيادة الدولة المصرية وقوانينها.
فلا يحق لأى جهة أو مجموعة، مهما كانت نواياها المعلنة، أن تفرض على مصر طريقة تعاملها مع حدودها أو أن تتخطى الإجراءات القانونية المنظمة للدخول والتحرك داخل أراضيها.
التضامن مع الشعب الفلسطينى، وهو موقف مصرى ثابت وتاريخى، لا يبرر مطلقًا تجاوز القواعد، أو الضغط على الدولة من باب العاطفة والإنسانية.
بل إن استخدام الشعارات الإنسانية أصبح فى حالات كثيرة أداة ضغط سياسى تُمارس ضد الدول، خصوصًا تلك التى تقع على خطوط التماس أو تشترك فى ملفات إقليمية حساسة.
فكم من مرة تحولت المبادرات إلى مشاهد إعلامية مفتعلة، أو سُخّرت لأغراض أبعد من الغاية المعلنة؟
هذا النمط لا يخدم القضايا العادلة، بل يربك المواقف الجادة ويشكّك فى نوايا حتى أكثر الداعمين صدقًا.
ولا يجب أن يُستغل وجدان الناس كأداة ابتزاز، خصوصًا تجاه دولة تحمّلت من التبعات أكثر مما يَعلم كثيرون.
كل من يرغب فى دخول مصر، لا بد أن يخضع للإجراءات السيادية المنظمة. استخدام لافتات إنسانية كوسيلة للضغط أو خلق أمر واقع، لن يُكسب القضايا عدالة، ولن يُكسب الفاعلين شرعية.
ومن اللافت أن بيان وزارة الخارجية المصرية الأخير جاء ليضع الأمور فى نصابها، بأسلوب دبلوماسى صارم وهادئ فى آنٍ واحد.
فهو لم يكتفِ بالتذكير بموقف مصر الداعم للفلسطينيين، بل أكد على أن أبواب مصر لم تغلق يومًا أمام التضامن، شرط أن يتم ذلك ضمن الأطر القانونية المعمول بها.
وجاء فى البيان بالنص:
< «السبيل الوحيد لمواصلة السلطات المصرية النظر فى تلك الطلبات هو من خلال اتباع الضوابط التنظيمية والآلية المتبعة منذ بدء الحرب على غزة، وهى التقدم بطلب رسمى للسفارات المصرية فى الخارج.
البيان لم يكن ردًا على قافلة بعينها، بل إعادة ترسيم واضحة للخطوط الحمراء، لا دخول دون تنسيق، لا تجاوز للسيادة تحت ستار النوايا، ولا استثناءات فى التعامل مع الحدود.
كما تضمّن رسالة ضمنية مفادها أن مصر، رغم التحديات الإقليمية، ما زالت تتحمّل عبء القضية الفلسطينية دون أن تسمح باستغلال ذلك لفرض أجندات موازية أو خلق مشاهد إعلامية على حساب أمنها.
البيان فى جوهره يعكس معادلة مصرية دقيقة، احتضان للقضية، ورفض لأى ابتزاز.
وهذا ما يجب أن يفهمه كل من يسعى لدعم غزة حقًا، أن مصر الدولة الوحيدة التى فتحت نافذتها الإنسانية وسط حصارٍ مطبق.
من يُشكك فى نوايا مصر أو يحاول تصوير موقفها على أنه تقاعس أو تضييق، يتجاهل حجم الجهود التى بذلتها مصر على مدار شهور الأزمة، فتح المعبر، إدخال المساعدات، استقبال الجرحى، الوساطة المستمرة لوقف إطلاق النار، والضغط الدبلوماسى لوقف العدوان الإسرائيلى.
لكن السيادة لا تتجزأ. ولا يمكن لمصر أن تسمح لأى طرف، تحت أى عنوان، أن يتحرك على أراضيها دون إذن أو تنسيق مسبق.
فلا العاطفة تُبيح التجاوز، ولا الشعارات تُلغى الحدود.
من يريد نصرة فلسطين، عليه أن يتعاون مع مصر لا أن يتجاوزها.
من يحترم الشعب الفلسطينى، لا يحرج الدولة الوحيدة التى ما زالت تفتح أبوابها لمن يحترم سيادتها.
مصر ليست بوابة مفتوحة دون ضابط، وليست ساحة لمَن شاء أن يتحرك كما يريد.
هذا حقها، وهذا جوهر السيادة.
<< لفت نظرى أن بعض من يعيشون فى دول أوروبية ويحترمون قوانينها، يهاجمون موقف الدولة المصرية، وهم يعلمون جيداً أن قوانين تلك الدول التى يعيشون فيها، لا تسمح بدخول أى شخص لأراضيها إلا بتأشيرة رسمية، ولا يُسمح بالتظاهر أو التجمع إلا بتصاريح. وهذه الدول لا تتسامح إطلاقاً مع أى اختراق لتلك القوانين، مهما كانت المبررات.
فلماذا إذن يُستنكر على مصر أن تطبق قوانينها، وتحافظ على أمنها وحدودها، وكأن أرضها «مستباحة».
فى أوروبا الترحيل والمنع من الدخول مستقبلا مصير من يخرج عن القانون.