جرائم الإخوان وحرب الشائعات والفوضى
لم تكن جماعة الإخوان الإرهابية منذ نشأتها سوى مشروع دائم للاضطراب والتشويش على استقرار الدول، يحاور أنصارها دائما تقديمها باعتبارها حركة دينية، وهو ما ثبت أنها محاولة تزييف لواقع كيان تنظيمى محكم يرى فى الدولة الوطنية عدوا وعائقا أمام مشروع الجماعة وحلمها فى التمدد والهيمنة، ولأن الجماعة فشلت فى كسب ثقة الشعب بعد عقود من التسلل والتخفى، لجأت إلى سلاح آخر أكثر خبثا وهدوءا فى ظاهره، وأكثر فتكا فى جوهره وهو الشائعات.
من يراقب أى لحظة حرجة تمر بها مصر، أو أى أزمة محلية أو إقليمية، سيلاحظ نمطا ثابتا تقوم به الجماعة الإرهابية وأنصارها، فمع كل توتر أو حادث أيًا ما كان نوعه تتصاعد موجات من الأكاذيب المصنوعة بعناية، يروج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وتدور فى فلك واحد: ضرب الثقة بين المواطن ودولته، فالشائعة هنا ليست مجرد وسيلة للضوضاء والبلبلة بل أداة استراتيجية فى معركة مستمرة، تديرها الجماعة بمنهجية صارمة.
وعلى الرغم من أن الجماعة التى لفظها الشعب المصرى فى 30 يونيو، تدرك جيدا أنها لن تعود أبدا من خلال الصندوق الانتخابى أو القبول المجتمعى، إلا أنها لم تستسلم أبدا، لذا وضعت كل ثقلها فى هدم ما تبنيه الدولة، ولو كان ذلك عبر أدوات رمادية - صفحات مجهولة، قنوات تبث من الخارج، حسابات مزيفة، محتوى مفبرك، وتحليلات زائفة تتستر برداء «القلق» و«الأسئلة المشروعة».
لكن يبقى السؤال: لماذا تلجأ الجماعة الإرهابية إلى الشائعات؟، ولماذا تظهر دوما مع كل خبر مجهول أو معلومة ناقصة؟.. الإجابة ببساطة أن الشائعة بالنسبة للإخوان ليست فرعا من النشاط بل جوهره، الجماعة لم تكن يوما قوية فى الخطاب السياسى العقلانى أو فى تقديم مشروع تنموى واقعى، لكنها بارعة فى «هندسة الشك» و«زرع الالتباس».
لذلك فى الأوقات التى تحقق فيها الدولة إنجازات أو تستعيد زمام المبادرة داخليا أو خارجيا، ترتفع وتيرة بث الشائعات عن الاقتصاد، أو الصحة، أو الجيش، أو التعليم، أو حتى عن شخصيات عامة، جميعها بهدف إضعاف الروح المعنوية لدى الشعب، وتحريضه ضد قياداته، وكلما اتسعت فجوة المعلومات أو تأخرت الاستجابة الإعلامية، تجد الجماعة فيها ثغرة تتسلل منها لتصنع أزمة من لا شىء، والمؤسف أن الجماعة باتت أكثر تأثيرا بسبب اعتمادها على التكنولوجيا، على أدوات العصر فى ترويج الفوضى، فقد تعلمت كيف تستخدم الخوارزميات لصالحها، كيف تصمم «محتوى سريع الاشتعال»، كيف توظف المؤثرين أو «اليوتيوبرز» المعارضين، بل وتخترق أحيانا أجندات منظمات دولية لتروج لأكاذيبها تحت غطاء «الحرية» و«حقوق الإنسان».
وفى المقابل، فإن المواجهة الحقيقية مع هذه الحرب الخفية لا تكون فقط بالرد على كل إشاعة أو بتكذيبها، بل من تحصين الوعى الجمعى، وتعزيز ثقة المواطن بمصدر المعلومات الرسمى، وتكثيف الحضور الإعلامى الاحترافى الذى لا يكتفى برد الفعل، بل يسبق بالأرقام والتحليل والتوضيح، لأن المجتمع لا يُحمى فقط بالأمن، بل أيضا بالمعرفة والمعلومة الصحيحة، فحين يكون المواطن على دراية بتحديات بلده، ومطلعًا على جهود الدولة، واثقا فى مسارات الإصلاح، فإن الإشاعة تموت فى مهدها، أما حين يطغى الغموض أو تترك الساحة فارغة، فإن الجماعة تجد متنفسا لبث سمومها، ومن الملاحظ أن الشائعات الإخوانية تستهدف تحويل الأكاذيب إلى قضايا جدلية، وتلويث النقاش العام بالريبة.
وختامًا.. أؤكد أن الجماعة الإرهابية فشلت فى الحكم، وستفشل فى تفتيت الدولة، والمعركة معها لن تنتهى إلا حين ندرك أن الحرب لم تعد بالرصاص، بل بالمنشور والمقطع والصورة المفبركة، لذلك علينا أن نكون جميعا جنودا فى معركة الوعى، لأن الهدم يبدأ بكذبة، والتاريخ علمنا أن الكذبة حين تتكرر كثيرا، قد تتحول إلى سكين فى قلب الحقيقة.