زواج القاصرات جريمة مكتملة الأركان
محامٍ حقوقي يحذر من التفاف البعض على القانون

حذر المحامي محمد عبد الحميد الصادق، مدير المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة بالشرقية؛ من خطورة زواج القاصرات، مؤكدًا أنه جريمة قانونية يعاقب عليها القانون المصري صراحةً، مهما كانت المبررات أو الأشكال المستخدمة، سواء عرفية أو دينية.
وأوضح الصادق في تصريحات خاصة بـ «الوفد» أن السن القانوني للزواج في مصر هو 18 عامًا للذكور والإناث، طبقًا للقانون رقم 126 لسنة 2008 المعدل لقانون الطفل، وأن أي زواج يتم قبل هذا السن يُعد باطلًا قانونًا، ويُعاقب عليه جميع المشاركين فيه، بدءًا من أولياء الأمور وحتى المأذون ومن سهل أو تستر على إتمامه.
عقوبات مغلظة للمخالفين
وأشار الصادق إلى أن العقوبات القانونية تشمل:
الحبس لمدة لا تقل عن سنة وغرامة قد تصل إلى 200 ألف جنيه، وفقًا للمادة 227 من قانون العقوبات، لمن يحرر عقد زواج لقاصر.
السجن المشدد إذا ثبت استغلال الطفلة أو تزويجها مقابل عائد مادي، باعتباره جريمة اتجار بالبشر (المادة 292).
عقوبات إضافية طبقًا لقانون الطفل (المادة 116 مكرر) لكل من سهل استغلال قاصر أو اعتدى على حقها في الحماية.
الإعاقة لا تُسقط المسؤولية.. والدخول لا يُنهي الجريمة
وشدد الصادق على أن الإعاقة الجسدية أو العقلية للطرف الآخر لا تُعفيه من المسؤولية، مؤكدًا أن جميع المشاركين في الزواج غير القانوني يتحملون المسؤولية الجنائية.
أما في حالة إحالة الزوج والطفلة للطب الشرعي لبحث واقعة الدخول، أوضح الصادق أن ثبوت العلاقة لا يُضفي الشرعية على الزواج، بل قد يفتح بابًا لتوجيه اتهام بهتك عرض قاصر، باعتباره اعتداء جنسيًا يقع على طفلة لا تملك الأهلية القانونية أو الجسدية للعلاقة.
وأضاف أن الدخول بالطفلة لا يسقط المسؤولية الجنائية، بل قد يشدد العقوبة، وفي حال عدم ثبوت الدخول، تظل القضية قائمة تحت وصف جريمة زواج قاصر، وتُعامل وفقًا لما ينص عليه القانون المصري.
دعوة لحماية الطفولة
واختتم الصادق حديثه بدعوة المجتمع إلى مواجهة ظاهرة زواج القاصرات، وضرورة التكاتف بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام، لنشر الوعي القانوني والديني الصحيح، ومواجهة محاولات التحايل على القانون تحت مسميات مغلوطة، حفاظًا على مستقبل الفتيات وحماية لحقوق الطفولة في مصر.
وكانت وحدة حماية الطفل بمحافظة الشرقية قد تدخلت بشكل عاجل، عقب تلقي بلاغ عبر خط نجدة الطفل رقم 102031 من المجلس القومي للطفولة والأمومة، بشأن فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي يوثق زفاف فتاة قاصر، تبلغ من العمر 15 عامًا، من شاب يعاني من متلازمة داون، في إحدى قرى مركز الصالحية الجديدة، وهي الواقعة التي أثارت موجة من الجدل والاستياء العام.
وتحرك مسؤولو الوحدة، تحت إشراف هبة حمد، مديرة الوحدة ممثلة المجلس القومي بالمحافظة، إلى موقع الحدث فورًا، وشاركوا في التحقيقات الأولية التي أجرتها الجهات المعنية، حيث تبين أن الزواج تم بشكل عرفي، في مخالفة صريحة لقانون الأحوال الشخصية الذي يحظر زواج الفتيات دون سن 18 عامًا.
وقد أوصت اللجنة المشكلة من الوحدة بإيداع الفتاة لدى أحد أفراد أسرتها المؤتمنين، مع تقديم الدعم النفسي والاجتماعي اللازم لها من قبل المختصين، لحين بلوغها السن القانونية. كما شددت اللجنة على ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية ضد جميع المتورطين في تسهيل هذا الزواج، باعتباره انتهاكًا صريحًا لحقوق الطفولة.
النيابة تحقق في الواقعة
وفي السياق ذاته، تباشر نيابة الصالحية الجديدة التحقيق في الواقعة، لكشف ملابساتها والتأكد من مدى قانونية الزواج، خاصة في ظل ما بدا من ملامح الحزن على وجه العروس خلال الفيديو، الأمر الذي أثار شكوكًا حول إمكانية تعرضها للإكراه أو الضغط النفسي.
الفيديو، الذي لا تتجاوز مدته 27 ثانية، أظهر مراسم الزفاف داخل منزل بسيط، وسط أجواء تقليدية، فيما بدت العروس في حالة نفسية غير مستقرة، بحسب ما رصده المتابعون، الذين أعرب كثير منهم عن قلقهم من استغلال الفتاة، أو استغلال الشاب المصاب بمتلازمة داون، في علاقة غير متكافئة، مطالبين السلطات بالتحقيق العاجل.
وفي بث مباشر عبر الإنترنت، خرجت العروس، وتُدعى ماجدة، لتؤكد أنها سعيدة بزواجها، مشيرة إلى أن خطبتهما استمرت نحو 8 أشهر، وشهدت علاقة طيبة وتفاهم بين الطرفين. وفسّرت ما بدا من حزن على وجهها بأنه ناتج عن الإرهاق في يوم الزفاف، قائلة: «روحت الكوافير الساعة 3 العصر وطلعت الساعة 10 بالليل، وملقتش زفة ولا لحقت أتصور، فكنت زعلانة»، مؤكدة أنها تحب محمد حبًا حقيقيًا، وأضافت: «لو مكنتش اتجوزته كنت هموت نفسي».
ورغم تلك التصريحات، تواصل النيابة التحقيق للوقوف على حقيقة ما جرى، والتأكد من عدم وجود أي ضغوط تعرضت لها الفتاة، لا سيما في ظل صغر سنها ووضع الزوج الصحي، مع التأكيد على ضرورة تطبيق القانون لضمان حماية القاصرات من أي استغلال.
وأعادت الواقعة إلى الواجهة ملف زواج القاصرات في مصر، الذي يشكل تحديًا كبيرًا أمام المؤسسات الحقوقية والمجتمعية، خاصة في المناطق الريفية، حيث لا تزال العادات والتقاليد تلعب دورًا في تزويج الفتيات قبل السن القانونية، الأمر الذي يمثل تهديدًا مباشرًا لصحتهن النفسية والجسدية ومستقبلهن التعليمي والاجتماعي.
ويأمل متابعو القضية أن تسفر التحقيقات عن قرارات حاسمة تضع حدًا لتكرار مثل هذه الوقائع، وتعزز جهود الدولة في حماية الأطفال، وتطبيق القانون دون تمييز أو استثناء.