بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

آليات اختيار أمين عام جامعة الدول العربية بين الميثاق والعرف

بوابة الوفد الإلكترونية

قبل عام من انتهاء ولاية الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، المقررة فى يونيو 2026، أثارت التقارير والتسريبات الإعلامية حول اختيار المرشح لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، والأصوات التى تطالب بنقل مقر الجامعة العربية، موجة واسعة من الجدل، وأكد خبراء ومتخصصون بالشأن العربى على استقرار الموقف ورسوخ التقاليد الدبلوماسية التى تضع مصر فى قلب العمل العربى المشترك، معتبرين الحديث عن خلافات رسمية أو نقل للمقر «لا يستحق التعليق». 

ووصف السفير المصرى السابق معصوم مرزوق، هذه المطالب بأنها «جزء من حالة عدم الاستقرار الفكرى والسياسى الذى أصبح كفيروس منتشراً بين كثير من السياسيين والمفكرين فى المنطقة». وأكد أن الميثاق ينص بوضوح على أن القاهرة هى المقر الدائم للجامعة العربية.

قدم مرزوق، الدبلوماسى المصرى المخضرم، رؤية متكاملة حول شروط تولى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، مع التركيز على الثوابت المؤسسية والمرونة المطلوبة، وذلك خلال حديثه عن تردد ترشيح رئيس الوزراء المصرى مصطفى مدبولى للمنصب. 

أوضح السفير مرزوق أن منصب الأمين العام يتطلب توازناً بين خبرتين رئيسيتين، أولا الخبرة الدبلوماسية نظرا لطبيعة عمل الجامعة فى التنسيق بين المواقف والتفاوض مع الأطراف الإقليمية والدولية، ثانيا الكفاءة الإدارية باعتباره رئيس الجهاز التنفيذى للمنظمة، المسئول عن إدارة مواردها وموظفيها بكفاءة. 

وأشار إلى أنه «لا يوجد مانع قانونى» لترشيح رئيس وزراء مصر، مستنداً إلى خبرته الإدارية الطويلة التى تؤهله لقيادة الجهاز الإدارى. مع إمكانية تعزيز الجانب الدبلوماسى من خلال تعيين مساعدين ذوى خبرة فى هذا المجال. 

لافتا أن التحديات الراهنة تتطلب تعزيز دور الجامعة كمنصة للتنسيق الأمنى والاقتصادى الجماعى لمواجهة التحديات. 

أكد مرزوق الطبيعة المزدوجة للمنصب، مشيراً إلى ضرورة توازن الخبرة الدبلوماسية للتعامل مع التنسيق الإقليمى والتفاوض الدولى، مع الكفاءة الإدارية اللازمة لقيادة الجهاز التنفيذى للمنظمة. 

وتناول السفير مسألة جنسية الأمين العام، مشدداً على أن «العرف الثابت منذ تأسيس الجامعة أن يكون الأمين العام مصرياً، وهو ما أصبح يشكل قاعدة قانونية راسخة». واعتبر أى محاولة لتغيير هذا الواقع «مزايدات غير واقعية»، مستشهداً بالسابقة التاريخية عند نقل المقر المؤقت إلى تونس، حيث تم اختيار أمين عام تونسى التزاماً بهذا المبدأ.

أوضح مرزوق أن المادة 12 من الميثاق تتيح مرونة كافية، إذ لا تشترط مواصفات محددة بل تركّز على آلية التعيين بقرار من مجلس الجامعة بأغلبية الثلثين، ورأى أن التحديات الإقليمية الحالية تتطلب تفكيراً جريئاً فى تطوير الميثاق لتعزيز فاعلية الجامعة. 

وحذر السفير الدول العربية من التفكك قائلا: إن مسألة شغل المنصب يجب ألا تؤثر على التحالفات العربية، محذراً من خطورة «بعض الأصوات غير الناضجة» التى قد تضر بالعلاقات، ومشدّداً على أن استمرار الجامعة كإطار جامع يظل خياراً استراتيجياً مهماً للأمة العربية رغم التحديات.

من جانبه، نفى الدكتور محمد كمال، مدير معهد البحوث والدراسات العربية، بشكل قاطع وجود أى خلاف رسمى بين مصر والسعودية يتعلق بجامعة الدول العربية أو بجنسية الأمين العام المقبل لها. وأوضح كمال، عبر صفحته الرسمية، أن هناك قدرا كبيرا من التوافق بين الدول العربية على أن يكون الأمين العام القادم للجامعة مصرى الجنسية. وأشار إلى أن أحمد أبوالغيط لا يزال أمامه عام كامل لاستكمال ولايته الحالية كأمين عام. 

وأضاف كمال أن إجراءات الترشيح لمنصب الأمين العام تخضع لقواعد وإجراءات محددة مرتبطة بمواعيد ثابتة ينص عليها ميثاق الجامعة. ولفت إلى أن مصر تتعامل بدبلوماسية ومسئولية مع الأفكار التى تُطرح منذ فترة لتطوير آليات عمل الجامعة واستحداث مناصب جديدة فيها. واعتبر أن الحديث عن نقل مقر الأمانة العامة للجامعة بعيدا عن القاهرة هو حديث غير جاد ولا يستحق التعليق عليه. 

من ناحيته، قدم الباحث فى القانون الدولى محمد عبدالحليم لـ«الوفد» تحليلاً موسعاً للسياق التاريخى والقانونى المحيط بمنصب الأمين العام، فى ضوء ما أثير مؤخراً. وأبرز عبدالحليم أن المنصب ظل، عملياً منذ تأسيس الجامعة عام 1945، حكراً على الدبلوماسيين المصريين المنتمين لوزارة الخارجية المصرية، باستثناءات نادرة ارتبطت بظروف سياسية استثنائية، أبرزها فترة تولى التونسى الشاذلى القليبى للمنصب بعد اتفاقية كامب ديفيد.

وذكر عبدالحليم أن ثمانية أمناء عامين توالوا على المنصب، كان ٧ منهم مصريين ينتمون جميعهم تقريباً للسلك الدبلوماسى الرفيع، مثل محمود رياض وأحمد عصمت عبدالمجيد وعمرو موسى وأحمد أبوالغيط. ورأى أن هذا العرف المتوارث ليس مجرد شكليات، بل يعكس فى جوهره ثلاثة أبعاد رئيسية: مركزية الدور المصرى فى صياغة السياسة العربية، المكانة المرجعية التى تحظى بها وزارة الخارجية المصرية كمدرسة دبلوماسية رائدة، والإدراك العربى العام بأن القاهرة تمثل صوت التوازن والتوفيق بين العواصم العربية المختلفة والمتنافسة. 

وأوضح الباحث الإطار القانونى مستنداً إلى المادة 12 من ميثاق الجامعة العربية، والتى لا تفرض على المرشح شروطاً مهنية محددة كخلفية دبلوماسية، بل تنص فقط على تعيينه بموافقة ثلثى الدول الأعضاء بناءً على ترشيح من دولة عضو. وبالرغم من هذه المرونة النظرية التى يمنحها الميثاق.

وأشار إلى أن مصر تمتلك عددا من الشخصيات الدبلوماسية البارزة المؤهلة للمنصب، بينها وزير الخارجية الحالى بدر عبدالعاطى. وتطرق عبدالحليم إلى الشروط الموضوعية المتوقعة فى المرشح، والتى وإن لم تُنص عليها صراحة فى الميثاق، إلا أنها تعتبر معايير أساسية. وتشمل هذه الشروط خبرة واسعة ومعترفا بها فى الشؤون العربية والدولية، وسجلا حافلا فى العمل العام أو الدبلوماسى، وامتلاك قدرات تفاوضية وتمثيلية عالية المستوى، وأن تكون الشخصية محل قبول إقليمى وقادرة على تحقيق التوازن بين مصالح الدول الأعضاء المختلفة.

وذكر الباحث بالإجراءات الصارمة لاختيار الأمين العام، والتى تبدأ بتقديم الدولة العضو مرشحها رسمياً لمجلس الجامعة، الذى يتطلب لتعيينه موافقة ثلثى الدول الأعضاء (15 دولة من أصل 22). وتستمر فترة الولاية خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. وأكد عبدالحليم مجددا أن الميثاق ينص بشكل واضح وصريح على أن مقر الجامعة الدائم هو القاهرة، مشيراً إلى أن تغيير هذا المقر يتطلب تعديلاً للميثاق نفسه، وهو إجراء معقد يتطلب بدوره موافقة ثلثى الأعضاء. 

ويخلص الخبراء إلى أن جامعة الدول العربية، على الرغم من الخلافات السياسية التى قد تنشأ بين أعضائها، تظل مؤسسة إقليمية راسخة تحظى برمزية سيادية كبيرة فى الوجدان العربى. ويؤكدون أن الروابط والمصالح المشتركة التى تجسدها الجامعة، ويرى الخبراء « أنه رغم الخلافات بين بعض دول الأعضاء إلا أن أحدًا لم يفكر فى الانسحاب منها لأن أسباب الوحدة مازالت أقوى من أسباب التفكيك. 

وأوضح الخبراء أن الآليات الدستورية المنظمة لعمل الجامعة، إلى جانب التقاليد الدبلوماسية المتبعة، توفر الأطر الكافية لإدارة أى تحولات محتملة فى قيادتها المستقبلية، فى إطار من الاحترام المتبادل والحرص على المصالح العربية العليا المشتركة.