بالمستندات.. الإهمال يضرب معدات «نظافة القاهرة
» «السُلف» تكشف المستور عن إهدار أموال الهيئة
تعطل عشرات الأجهزة يفضح فشل منظومة الصيانة
كيف ُتهدر موارد الدولة بلا حساب
أزمة خطيرة تدفع ثمنها شوارع القاهرة
الإهمال سرطان منتشر داخل إحدى أهم مؤسسات الدولة، حيث تتحول هيئات الخدمات الحيوية إلى أفران تحرق المال العام وتنخر فى جسد الوطن بلا رحمة، ما يُفترض أن يكون درع حماية للمواطنين، صار ميدانًا للإهمال.
داخل أروقة الهيئة المسئولة عن نظافة وتجميل القاهرة، نكشف الستار عن حجم الانهيار الإدارى والتسيب الفنى بالمستندات الموقعة والمختومة، الذى لا يقف عند عجز المعدات عن أداء دورها فقط، بل يمتد ليطال استنزاف ميزانيات ضخمة فى صفقات «صيانة» على الورق.
الموظفون يئنون تحت وطأة ضغوط لا تنتهى، والإهمال يزدهر بغطاء من حماية الهيئة، بينما تتحمل الشوارع والمواطنون تبعات هذا التهاون المدمر، أرقام مهدورة، آلات متوقفة، ووعود كاذبة تتكرر دون رادع أو محاسبة.
كشف مهندس يعمل بالإدارة المركزية للإنقاذ داخل الهيئة العامة لنظافة وتجميل وإنارة القاهرة، عن انهيار كامل فى منظومة المعدات الثقيلة التابعة للهيئة، مشيرًا إلى وجود عشرات اللوادر والحفارات المعطلة داخل ورش الهراسات، فى ظل غياب تام لأى صيانة دورية أو رقابة حقيقية من رئيس مجلس الادارة أو الجهات المعنية.
المهندس، الذى تحدث فى ظل تهديدات مستمرة من شخصية نافذة، وصف الوضع داخل الشئون الفنية بـ«المرعب»، مؤكدًا أن الخوف خنق العاملين داخل الهيئة، وسط مناخ تسوده التجميد والتحويل إلى الشئون القانونية والتخويف، وأوضح أن «الناس هنا مش مهملة فقط لا، دى ناس معدومة الضمير، مفيش مهندس قادر يفتح بُقه، الكل ساكت بالعافية من شدة الخوف، لأن اللى يتكلم مصيره النقل أو الإهانة أو الإقصاء».
وبنبرة يملؤها الألم والغضب، أوضح أن مجمع الإنقاذ فى حلوان كان يضم أكثر من 200 سيارة جاهزة للعمل، أما الآن فلا يتجاوز عدد العربات العاملة 15 سيارة، فى حين تُركت باقى السيارات متهالكة ومركونة على الطوب و«البنادير» فى صورة مأساوية تعكس حجم الانهيار الذى وصل إليه القطاع داخل الشئون الفنية.
وأضاف: «بنعدى قدام الجراجات أثناء صلاة الفجر، نشوف العربيات محطوطة على حجارة، والمعدات مرمية من غير أى اهتمام، الملايين اللى اندفعت فيها راحت فى الهوا بسبب الإهمال، محدش بيحاسب حد، واللى بيتكلم بيتفرم من مدير الشئون الفنية المحمية من رئيس مجلس الإدارة».
وأشار، إلى أن الورش تحولت إلى ساحات خردة، والمعدات التى كان من المفترض أن تخدم المواطنين أصبحت عبئًا على الدولة، فى غياب شبه كامل للمحاسبة أو أى إدارة حقيقية تمتلك إرادة للإصلاح، قائلًا: «المهندسين والموظفين والعاملين خلاص مستبيعة، مفيش أى نوع من أنواع القيادة، والمواطن هو اللى بيدفع التمن».
ومن جانبه أضاف مهندس من الشئون الفنية رفض ذكر اسمه خوفًا من التجميد، «إحنا صوتنا اتحبس جوا الحيطان سنين، بس مش هنفضل ساكتين، وهنوصل صوتنا للصحافة الحرة والجهات الرقابية، يمكن حد يسمع ويوقف الكارثة دى، لأننا مش بنخسر معدات بس.. إحنا بنخسر أموال الدولة فى ظل ظروف اقتصادية طاحنة».
وصف، أن ما يحدث داخل الهيئة لم يعد مجرد إهمالا إداريا أو تراجعا فنيا، بل أصبح انهيارًا مؤسسيًا كاملًا يستدعى تدخلًا عاجلًا من أجهزة الدولة قبل أن يتحول الصمت المفروض بالقوة إلى خراب لا يُمكن إصلاحه.
مقبرة المعدات
فى قلب ورش المعدات الثقيلة بالهراسات، تتكدس الحفارات واللوادر والبلدوزرات فى مشهد يختصر انهيار منظومة الصيانة داخل الهيئة العامة لنظافة وتجميل وإنارة القاهرة، الورش التى كان يُفترض أن تكون مركزًا لإحياء المعدات تحوّلت إلى ساحة خراب، والمعدات الثقيلة التى تمثل عصب العمل فى الشوارع والأزمات باتت مهجورة، مأكولة الصدأ، ومعلقة على الطوب والحجارة فى صمت ثقيل ويحمل العديد من علامات الاستفهام القاتلة عن كيف يتم صرف أموال الدولة.
ميكانيكى متخصص بالمعدات الثقيلة تحدث لـ«الوفد»، كاشفًا حجم الكارثة الفنية التى تشهدها الورش، قائلًا: «دى مش مجرد أعطال.. دى شهادة وفاة مكتوبة بخط الإهمال والتستر على جرائم محلية فى حق الدولة والمواطن» وأضاف: «الأعطال اللى بنشوفها بشكل يومى تشمل عمرات كاملة ماتعملتش، أعطال فى طلمبات الجاز، مشاكل فى أنظمة الهيدروليك، أعطال فى الكنترول، تلف فى جوان وش السلندر، وكاوتش متهالك محتاج تغيير شامل».
وتابع، المعدات المعطلة لا تمثل مجرد خسائر مادية، بل ضربة قاصمة للبنية التحتية للعمل الميدانى، وكل ذلك يحدث ضد خطة بناء وتطوير مصر الحديثة تحت قيادة الرئيس السيسى، الميكانيكى أوضح أن المعدات تشمل حفارات متعددة الأنواع، لوادر موديل 966، لوادر كيس، لوادر 938، بوكات صغيرة، وبلدوزر، وجميعها متوقفة تمامًا بسبب عدم توفير قطع الغيار أو إسناد أى عمليات صيانة جدية.
وتابع قائلًا: «الورشة بقت مخزن خردة، مفيش صيانة، مفيش متابعة، مفيش قرار واضح بتحريك المعدات أو محاولة إنقاذها، المعدات اللى المفروض تكون فى الشارع بتخدم الناس، واقفة فى الورش مستنية الفناء».
الحديث عن الأعطال لا يقتصر على الجانب الفنى فقط، بل يكشف عن أزمة إدارة خانقة يتم إدارتها من خلال البطش بالمهندسين وعمال الميكانيكا والموظفون، وتفتقد الحد الأدنى من المسئولية التى يتولاها رئيس مجلس الادارة «لو وفروا قطع الغيار بشكل حقيقى بدون استخدام قطع غيار مضروبة، واشتغلنا شغلنا الطبيعى، الورش تقدر ترجع 90% من المعدات للخدمة خلال شهور قليلة»، بحسب تعبير الميكانيكى، الذى أكد أن العائق الحقيقى هو غياب الإدارة من الموظفة المسئولة عن الإهمال الفج دون محاسبتها من رئيس الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة، وليس الإمكانيات.
تناقضات خطيرة
حصلت الوفد على مستندات رسمية مختومة بخاتم النسر وموقعة بشكل اعتمادى من رئيس مجلس إدارة الهيئة وليد أبو النصر، تُثبت صرف سُلفة مالية تحت بند إصلاح معدات متعطلة، بعد عرضها من إسلام لطفى إلى سونية، ثم إعطاء التوقيع الاعتمادى من المسئول رغم التدهور الحاد فى جاهزية أسطول المعدات والمكانس التابعة للهيئة، فى تجاهل تام من مدير عام الانقاذ وليد غريب فى بعض المستندات.
المستندات التى تم توجيهها إلى المهندس وكيل الوزارة ورئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية، تتضمّن طلب صرف سُلفة مؤقتة باسم الموظف محمد شعبان عاشور بقيمة 14,520 جنيهًا، بهدف إصلاح عدد 2 تربو لمكانس تحمل الأرقام 10750 و10763.
هذا التحرك المالى الموثّق يتزامن مع انهيار واضح فى حالة المعدات بالهيئة، حيث تتكدس العشرات من السيارات والمكانس واللوادر خارج الخدمة نتيجة الأعطال المزمنة، دون أن يظهر أى أثر ملموس لعمليات الإصلاح أو إعادة التأهيل، ورغم صرف مبالغ يدًا بيد تحت مسمى الصيانة والإصلاح، ما زالت القطع المخصصة للعمل الميدانى قابعة فى الجراجات أو متوقفة فى المواقع، بلا طاقة إنتاجية ولا تدخل حقيقى.
المستندات تكشف بوضوح أن هناك حركة مالية نشطة داخل الهيئة تحت مظلة «الإصلاح»، بينما الواقع العملى يعكس مشهدًا من التجاهل والتقصير الفنى، صرف سُلفة بهذه القيمة فى وقت تتصاعد فيه شكاوى الفنيين من نقص قطع الغيار وتعطل المعدات، يُعدّ دليلًا دامغًا على وجود خلل إدارى ومالى يستوجب التوقف عنده بجدية دخول الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، وقيادات الرقابة الادارية لفحص الملفات المالية.
ما تم رصده بالوثائق الرسمية يُسجل شهادة واضحة على التناقض بين الواقع والمستند، ويُحمل المسئولية للجهات القائمة على الصيانة والإصلاح داخل الهيئة، والتى باتت عاجزة عن الحفاظ على معدات الدولة، رغم ضخ أموال تحت عناوين معلنة لا تنعكس على الأرض.
عندما تُصرف أموال السلف الخاصة بالصيانة «يدًا بيد» لموظفين بعينهم، بعيدًا عن أى رقابة محاسبية دقيقة أو آليات صرف شفافة، تتحول الصيانة إلى باب خلفى لإهدار المال العام، وتضيع المعدات بين أوراق رسمية مختومة، وواقع يزداد فيه أسطول الهيئة انهيارًا يومًا بعد يوم.
المستند الثانى يحمل توقيع محمد لطفى، ويخص صرف سُلفة مؤقتة باسم عادل سمير عبد العزيز، بقيمة 14,520 جنيهًا، لإصلاح عدد 2 تربو لمكانس تحمل الأرقام 10739 و10748.
لكن ما يثير الشكوك أن المستند يخلو من توقيع العقيد مدير عام الإنقاذ، والمسئول المباشر عن التوقيعات المالية فى مثل هذا الظروف، رغم أن المكنستين موضوع السُلفة تقعان ضمن اختصاصه الفنى، هذا الغياب يفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة حول آليات الصرف والمحاسبة، ومدى الالتزام بسلسلة التوقيعات الإدارية الرسمية قبل ضخ الأموال.
ورغم عدم توقيع مدير العام عام الإنقاذ، إلا أن الواقع العملى يكشف أن المعدات لم تُصلح، ولا تزال مكانس الهيئة مرفوعة على الطوب داخل الجراجات، فى مشهد صارخ يعكس فشل منظومة الصيانة وعبث الإدارة بالمال العام.
المستند يكشف حجم الانفصال التام بين القرارات الورقية والحالة المزرية على الأرض، ويضع علامات استفهام حقيقية حول دور مدير عام الإنقاذ، الذى يفترض أن يكون شاهدًا وموقعًا أساسيًا على كل عملية إصلاح، خاصة فى مثل هذه الملفات الحساسة.
تكرار صرف السُلف بهذا الشكل، دون نتائج ملموسة، يطرح احتمال وجود تجاوزات إدارية خطيرة تستوجب التحقيق العاجل، ومراجعة شاملة لملف إصلاح المعدات داخل الهيئة.
تراخى وتلاعب
وأكد مهندس يعمل داخل ورش الإنقاذ المركزى، أن الإصلاح المشار إليه فى المستند لم يتم فعليًا، رغم صرف السُلفة منذ شهر مارس، ما يعكس حجم التراخى والتلاعب فى ملف صيانة المعدات الثقيلة، وأضاف أن «التربوهات الخاصة بالمكنستين ظلت داخل الجراج دون أى تدخل أو إصلاح يذكر، إلى أن بدأ الحديث يعلو داخل الورشة بين العاملين، ليتم بشكل مفاجئ إخراج التربوهات يوم 26 مايو»، مشيرًا إلى أن ذلك الإجراء «مجرد محاولة لتهدئة الأصوات»، لا أكثر.
ووفقًا للمهندس، فإن خروج التربوهات مُثبت رسميًا على بوابة الورشة بتاريخه، مما ينفى تمامًا ما ورد فى المستند من أن الإصلاح تم فور صرف السُلفة، وتؤكد هذه الواقعة أن هناك حلقة مفقودة بين الصرف والتنفيذ، تستدعى فتح تحقيق فورى فى الملف، لمحاسبة كل مسئول تورط فى إهدار المال العام أو التستر على الإهمال المتعمد فى إدارة معدات الدولة.
تخبط فى التوقيعات
فى تطور خطير جديد يكشف حجم الفوضى الإدارية داخل الهيئة العامة لنظافة وتجميل وإنارة القاهرة، حصلت الوفد على مستند ثالث يؤكد أن ملف صيانة المعدات بات بوابة خلفية لصرف أموال دون تنفيذ فعلى على الأرض.
المستند يتعلق بصرف سُلفة مؤقتة باسم حسن جمعة حسن فى شهر مارس الماضى، بقيمة 15,732 جنيهًا، مخصصة لإصلاح عدد 2 ركيزة ديل تريلا رقم 296 س ن ص، لكن الواقع يؤكد أن الإصلاح لم يتم حتى لحظة كتابة هذه السطور.
المثير فى المستند، بل والمريب، هو حالة التخبط فى التوقيعات التى كشفت عن عبث إدارى غير مسبوق، فقد ظهر توقيع مدير عام الإنقاذ، بخط اليد مباشرة على ختم النسر، فى مخالفة إجرائية واضحة تضرب بميثاق المستندات الرسمية الذى لم يوقع عليها فى صرف أموال الدولة كسلفة للموظفين لاصلاح معدات مستمر اعطالها، كما تم توقيع الموظف إسلام محمد لطفى بصفة «مدير إنقاذ»، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول ازدواجية الصلاحيات، أو محاولة تمويه المسؤوليات داخل الإدارة الفنية للإنقاذ.
هذه الفوضى فى التوقيع تؤكد أن ملف السلف لم يعد شفافًا، بل صار مستنقعًا من التجاوزات، يحتاج إلى وقفة جادة من الأجهزة الرقابية، وفتح تحقيق شامل فى كيفية صرف هذه الأموال، ولماذا تدفن المعدات فى الجراجات بينما تصرف عشرات الآلاف تحت بند «الإصلاح».
مستند رابع يؤكد تكرار صرف السُلف المالية لإصلاح المعدات دون أى نتائج على أرض الواقع، المستند يؤكد صرف سُلفة مؤقتة باسم «حسن محمد رجب» خلال شهر مارس الماضى بقيمة 12,312 جنيهًا، مخصصة لإصلاح صينية رأس تريلا رقم 9375 أ ر س رينو، لكن المفاجأة بقيت الصنية كما هى دون أى إصلاح أو صيانة تستخدم.
الوثيقة تحمل توقيع وليد غريب، مدير عام الإنقاذ، بالإضافة إلى توقيع إسلام محمد لطفى بصفته «مدير إنقاذ»، ما يعكس استمرار تسلسل الصرف دون مساءلة حقيقية أو متابعة دقيقة للعمل الفنى.
هذا التخبط فى ملف الصيانة وتكرار صرف السُلف دون تنفيذ يعكس خللًا إداريًا جسيمًا، يهدد بكارثة إهمال متواصلة فى المعدات التى تعتبر شريان عمل الهيئة وأساسًا للحفاظ على نظافة وإنارة شوارع العاصمة.
غياب الرقابة وتكرار التوقيعات على المستندات دون تحقق فعلى يطرح علامات استفهام حول الجدية فى إدارة ملف الصيانة، مما يدفع إلى ضرورة تدخل جهات الرقابة الادارية، للتحقيق الفورى فى ما إذا كانت الأموال تُصرف فعلًا للصيانة أم تُهدَر بلا أى عائد على الخدمة العامة.
هذه الفوضى الإدارية وتكرار صرف السُلف دون إصلاح فعلى يضع مستقبل منظومة النظافة العامة فى مهب الريح، ويكشف عن إهمال متعمد لا يغتفر، فى وقت تحتاج فيه القاهرة إلى معدات نظافة قوية تعمل بكفاءة عالية لخدمة ملايين السكان.