خط أحمر
شجاعة بأثر رجعى
لا تزال مجلة فورين بوليسى الأمريكية ذات مصداقية بين المطبوعات المنشورة فى الولايات المتحدة وخارجها، ولا يزال ما تقوله يجد آذاناً صاغية لدى متابعيها.
ويعود هذا كله إلى أنها لا تجد أى حرج فى توجيه أشد النقد إلى ما تجده سلوكاً منحرفاً، أو سياسة غير عادلة للإدارة الحاكمة فى واشنطون. ومن ذلك ما نشره العدد الأخير منها على لسان دانيال شابيرو، السفير الأمريكى السابق فى تل أبيب.
وقد اعتدنا أن سفراء الولايات المتحدة إلى إسرائيل منحازون باستمرار إليها، ووصل الأمر ببعضهم إلى حد المزايدة على الحكومة المتطرفة فى تل أبيب نفسها، وإلا فهل ننسى أن السفير ديفيد فريدمان، السفير الأمريكى الذى أرسله ترمب إلى إسرائيل خلال فترته الرئاسية الأولى، قد بلغ به الانحياز السافر إلى حد أنه قال إنه سينقل مقر إقامته كسفير إلى القدس، حتى لو لم تنقل بلاده سفارتها إلى هناك !.. جنون سياسى من هذا النوع تجد منه الكثير جداً، إذا ما استعرضت أسماء وأحوال السفراء الأمريكيين التعساء الذين تتابعوا على إسرائيل.
شابيرو يبدو مختلفاً جداً فيما يقوله، واختلافه نجده فى المقال المنشور فى المجلة، ولا نعرف ما إذا كان هذا هو موقفه من زمان تجاه القضية فى فلسطين، أم أنه طارئ عليه بحكم ما تشهده أرض قطاع غزة من إبادة يومية على يد حكومة التطرف فى تل أبيب؟.. لا تدرى.. ولكنه يقول إن الرئيس ترمب يستطيع وقف هذه الإبادة بتغريدة منه!
هذا صحيح لا شك، ولكن لأن عقلية رجل الأعمال غالبة على ترمب، ولأن عقلية السياسى التى كنا نجدها مع رؤساء سابقين عليه فى البيت الأبيض ليست حاضرة عنده، فإن تغريدة كهذه من جانبه تظل تتلكأ فى الطريق، وتتعثر، ولا تنتصر للذين يتعرضون لما يشهده العالم فى القطاع كل يوم.
ولا يكتفى شابيرو بهذا، ولكنه يذهب إلى قول إن ترمب يبدو شريكاً فيما يتعرض له الفلسطينيون فى أنحاء غزة، لأن اقتراحه تحويلها إلى ريفييرا على البحر المتوسط أرخى الحبل لحكومة التطرف وجعلها تمارس ما تمارسه من تقتيل بقلب يخلو من أى حس انسانى. يقترح السفير الإسرائيلى السابق على ترمب أن يعترف بموت اقتراحه لعل إسرائيل تقتنع بأن غزة لأهلها لا لطرف آخر خارجها.
حديث السفير شابيرو يبدو فى مكانه، لولا أن ما يقوله شجاعة بأثر رجعى، لأننا لم نسمع عن أنه انتصر للفلسطينيين من قبل باعتبارهم أصحاب قضية عادلة.