في ذكرى ميلاده.. محمود ياسين أيقونة الفن الخالد ورفيق أجيال

في ذكرى ميلاد أحد أعمدة الفن في مصر والعالم العربي، الفنان القدير الراحل محمود ياسين، الذي وإن غاب بجسده عن الدنيا، إلا أن حضوره ما زال حيًا في وجدان الملايين من محبيه، من خلال أعماله الفنية الخالدة التي تركت بصمة لا تُنسى، وشخصياته المؤثرة التي جسّدها على مدار عقود من الإبداع.

وُلد محمود ياسين في الثاني من يونيو عام 1941 بمدينة بورسعيد الساحلية، وكان منذ صغره شغوفًا بالفن، لكنه اتجه في البداية نحو دراسة القانون، حيث التحق بكلية الحقوق في جامعة عين شمس وتخرج منها حاصلًا على ليسانس الحقوق، سعى ياسين للعمل في مجال المحاماة، وبالفعل كان مرشحًا للتعيين في القوى العاملة بمحافظة بورسعيد، لكنه قرر العدول عن هذا الطريق والانطلاق في المسار الذي طالما حلم به، وهو التمثيل.
لم يكن هذا القرار سهلًا، لكنه كان حاسمًا في تشكيل مستقبله الفني، حيث توجّه إلى القاهرة وخضع لاختبارات الأداء الخاصة بالمسرح القومي، ونجح فيها بجدارة، لينضم إلى واحدة من أهم المؤسسات المسرحية في مصر، ومنها كانت انطلاقته الكبرى.
بدايته المسرحية.. تألق من أول مشهد
انطلقت المسيرة الاحترافية لمحمود ياسين من خشبة المسرح القومي، وكان أول أعماله المسرحية بعنوان "الحلم" من تأليف محمد سالم وإخراج عبد الرحيم الزرقاني، لتتوالى بعدها مشاركاته المسرحية الناجحة. قدم خلال سنوات قليلة أكثر من 20 عملًا مسرحيًا مميزًا، جعلته نجمًا فوق الخشبة، ومن أبرز المسرحيات التي شارك فيها: وطني عكا، عودة الغائب، واقدساه، سليمان الحلبي، الخديوي، الزير سالم، ليلة مصرع غيفارا، ليلى والمجنون.
امتاز ياسين بموهبة تمثيلية رفيعة وصوت جهوري مؤثر، جعله مميزًا في أدوار البطولة المسرحية، وكان لأدائه المسرحي بالغ الأثر في صقل شخصيته الفنية وبناء قاعدة جماهيرية متينة.

نجم الشباك وسيد الشاشة في السينما
جاءت انطلاقة محمود ياسين السينمائية بشكل تدريجي، حيث شارك في البداية بأدوار صغيرة في أفلام مثل: الرجل الذي فقد ظله، القضية 68، شيء من الخوف.
إلا أن الانطلاقة الحقيقية له كانت من خلال فيلم "نحن لا نزرع الشوك"، أمام الفنانة الكبيرة شادية، ومن إخراج حسين كمال. ومن هنا، بدأت مسيرته الذهبية في عالم السينما، حيث أصبح أحد أبرز نجوم جيله في فترة السبعينيات والثمانينيات، وتمكّن من احتلال موقع "فتى الشاشة الأول" عن جدارة.
قدّم ياسين أكثر من 150 فيلمًا سينمائيًا تنوعت بين الاجتماعي والسياسي والرومانسي والحربي، ومن أشهر أفلامه في المراحل المتأخرة فيلم "الجزيرة" مع النجم أحمد السقا، حيث جسّد دور الأب الصعيدي بحضور طاغٍ وأداء درامي مؤثر نال إعجاب الجمهور والنقاد.
الجوائز والتكريمات
لم تكن مسيرة محمود ياسين مليئة بالأعمال فقط، بل توّجت بالعديد من الجوائز المحلية والعالمية، حيث حصل على أكثر من 50 جائزة تقديرًا لإبداعه الفني، أبرزها: جائزة التمثيل من مهرجان طشقند عام 1980، جائزة من مهرجان السينما العربية في أمريكا وكندا عام 1984، جائزة من مهرجان عنابة في الجزائر عام 1988، جائزة الدولة عن أفلامه الحربية عام 1975، جائزة الإنتاج من مهرجان الإسماعيلية عام 1980، جائزة أفضل ممثل في مهرجان التلفزيون عامي 2001 و2002.
إلى جانب الجوائز، تقلد محمود ياسين مناصب فنية وثقافية مرموقة، منها رئاسته للجنة تحكيم مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عام 1998، ورئاسته لجمعية كتاب وفناني وإعلاميي الجيزة، بالإضافة إلى اختياره عام 2005 كسفير للنوايا الحسنة من قبل منظمة الأمم المتحدة، تقديرًا لجهوده الإنسانية في قضايا محاربة الفقر والجوع.
رغم رحيله عن عالمنا في 14 أكتوبر 2020، فإن محمود ياسين ما زال حيًا في وجدان الجمهور، وذاكرته الفنية تزداد حضورًا وتألقًا مع كل ذكرى ميلاد له. استطاع أن يخلّد اسمه كأحد أهم رموز الفن العربي، بما قدمه من أعمال راقية، وبما جسّده من أدوار تنبض بالمشاعر والصدق، وترك إرثًا ثقافيًا وفنيًا لا يُقدّر بثمن.
في ذكرى ميلاده، يتجدد الحديث عن فنانٍ لم يكن مجرد ممثل، بل كان رمزًا للالتزام الفني والإنساني، وصوتًا صداحًا بالحق والجمال، وفارسًا نبيلًا من فرسان الدراما والسينما في الوطن العربي.
