بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

كلمات

هيباتيا

"الحقيقة لا تتغير، سواء صدقها معظم الناس أو لم يصدقوها".
هذه مقولة "هيباتيا" التي أجمع معظم الفلاسفة والمؤرخين على حقيقة واحدة ومؤكدة لا و لم يُنكرها أحد، وهي أنها أول و أعظم عالمة رياضيات و فلك في التاريخ .. كانت فيلسوفة عظيمة و حكيمة، و برغم جمالها الفتّان إلا أنها أَمضت عمرها عذراء عزباء بإرادتها .. و عندما سألوها عن سبب رفضها للزواج، قالت “إنها متزوجة بالعلم و الحقيقة".
وُلدت "هيباتيا" بالإسكندرية في أواخر القرن الثالث الميلادي، والدها هو عالم الرياضيات و الفلك و الفيلسوف الشهير"ثيون السكندري" الذي كان أستاذًا بجامعة الإسكندرية.
و كما هو حال معظم الفلاسفة و العلماء و المفكرين ، بدأت "هيباتيا" ترتقي بعقلها و روحها في رحلتها للبحث عن الحقيقة .. و هنا اصطدمت برفض الكنيسة أو الحكم الكهنوتي في ذلك العصر الذي كان يتسم بالجهل و التطرف الديني ، و الذي ظهر جليًا في اضطهادهم للفلاسفة و العلماء عبر العصور ، و اتهامهم بالكفر تمهيدًا للتخلص منهم بأبشع أنواع القتل و التعذيب.
فبدأ التفكير في اغتيال "هيباتيا" التي التفّ حولها جمهور من مختلف فئات الشعب المصري ، سواء من المثقفين أو العوام ، و الذي كان من الصعب إِحكام السيطرة الكهنوتية عليه كونه شعبًا ينحدر من ثقافة الحضارة المصرية "الإدريسية" العظيمة التي قامت على منهج العلم و الإيمان .. فأقبلوا بشغف للتعرف على ذلك الفكر التنويري الذي نشرته "هيباتيا" و الذي كان يدعو إلى البحث والتدبر و نبذ الجهل و الخرافات.
و بالفعل ، و على غرار جميع ضحايا الإرهاب الديني ، كان مقتلها مأساويًا على يد جموع من المسيحيين ، حيث تم جرها من شعرها وهي عائدة إلى منزلها بعد أن انتهت من إحدى ندواتها في مكتبة الإسكندرية ، وتم سحلها في شوارع المدينة و سلخ جلدها بالأصداف ثم إحراقها.
و وفقًا للمصادر التاريخية ، ماتت "هيباتيا" في عام 415 م تقريبًا، وكان موتها بهذه الوحشية إيذانًا بنهاية عصر التنوير الفكري و التقدم العلمي الذي شهدته الإسكندرية على مدى 750 عامًا .. و تم تداول و تدوين قصتها على أيدي الكُتّاب و المؤرخين خلال القرون الخامس و السابع و حتى القرن العاشر الميلادي.
خلال هذه الفترة ، و تحديدًا في منتصف القرن السادس و بداية القرن السابع الميلادي ، جاء الفتح الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص ، و تم فتح مصر بسقوط الإسكندرية عام 642 م .. و بذلك انتهى عصر الاضطهاد الديني في مصر و كل الدول التي خضعت لحكم الخلافة الإسلامية الراشدة التي احتضنت العلماء من كل الأطياف و ازدهرَ العلمُ تحت رايتها ، فسبقت عصرها و كان لها الفضل في محو مقولة "ويل لمن سبق عقله زمانه".
و تذكُر بعضُ المصادر أن في القرن الثامن الميلادي ، أي بعد مرور ما يقرب من أربعة قرون على قصة "هيباتيا" السكندرية شهيدة العلم ، ظهرت "نسخة" مشابهة تمامًا و هي قصة القديسة "كاثرين" .. ويُقال كانت أيضًا فيلسوفة و عالمة و أنها وُلدت كذلك في الإسكندرية و استشهدت في أواخر القرن الرابع الميلادي ، و بعد ذلك تم اكتشاف رفات جثمانها في القرن التاسع الميلادي .. و لكن الاختلاف الجوهري بين الروايتين أن القديسة "كاثرين" تعرضت للاضطهاد الروماني لأنها رفضت محاولات تحويلها من العقيدة المسيحية إلى الوثنية ، على عكس قصة "هيباتيا" التي عانت من اضطهاد الكنيسة الكاثوليكية لأنها خرجت عن تعاليم مذهبهم.
أما الحقيقة المؤكدة و المتفق عليها تاريخيًا ، أن "مصر" هي المصدر الأول لكل العلوم و الفلسفات التي خرجت من رحم أم الدنيا بعد أن تتلمذَ رواد هذه العلوم على أيدي كهنة و علماء جامعة (أُون) ، أول و أقدم جامعة عرفتها البشرية و التي أنشأها المصريون العظماء منذ آلاف السنين، و درس فيها أفلاطون نفسه لمدة 13 عامًا.
و هنا أستطيع أن أقول : 
إن الحقيقة دائمًا تجدٌ طريقَها إلى النّور مهما حاول البعضُ إخفاءَها .