بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

هل تخلّت أوروبا عن إسرائيل؟


لطالما كانت العلاقة بين أوروبا وإسرائيل علاقة وثيقة، بُنيت على أُسس تاريخية وثقافية وسياسية مشتركة، حيث دعمت العديد من الدول الأوروبية قيام إسرائيل منذ عام ١٩٤٨، وقدّمت لها الدعم والمساندة في مختلف المحافل الدولية، بالإضافة إلى العلاقات التجارية والأمنية الوطيدة المُشتركة. لكن مع تصاعد وتيرة العنف في الأراضي الفلسطينية، خاصة في غزة، بدأت تظهر تحولات ملحوظة في الموقف الأوروبي، أثارت التساؤل عما إذا كانت أوروبا قد بدأت بالفعل التخلي عن إسرائيل.

في السنوات الأخيرة، برز تغيّر واضح في الخطاب الأوروبي الرسمي والشعبي تجاه السياسات الإسرائيلية، وخصوصًا مع تزايد العمليات العسكرية في غزة وتوسع الاستيطان في الضفة الغربية. إذ أن بعض الحكومات الأوروبية بدأت تُعبّر صراحة عن استيائها من السياسات الإسرائيلية. وارتفعت أصوات تطالب بضرورة احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان. وقد تُوّج هذا التحول مؤخرًا باعتراف بعض الدول الأوروبية بدولة فلسطين، كما حدث مع إيرلندا وإسبانيا والنرويج، ما مثّل خطوة رمزية لكنها قوية في دلالتها السياسية.

هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة لتراكمات طويلة، إذ لعب الرأي العام الأوروبي دورًا مهمًا في الضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف أكثر إنصافًا واتزانًا. فالتغطية الإعلامية الواسعة للضحايا المدنيين في غزة، إلى جانب الاحتجاجات الشعبية في العواصم الأوروبية، ساهمت في دفع السياسيين لمراجعة مواقفهم، خاصة في ظل تنامي الشعور بأن الدعم غير المشروط لإسرائيل يَضُرُّ بصورة أوروبا كمدافع عن حقوق الإنسان.
مع ذلك، لا يمكن القول إن أوروبا قد تخلت تمامًا عن إسرائيل، فالعلاقات السياسية والاقتصادية لا تزال قائمة، والتعاون الأمني لم ينقطع. لكن يمكن القول إن هناك تحولًا من الدعم المُطْلَقُ إلى موقف أكثر حذرًا، يسعى للتوازن بين ضمان أمن إسرائيل، وبين المطالبة الجادة بإنهاء الاحتلال واحترام حقوق الفلسطينيين. هذا التحول يعكس إدراكًا أوروبيًا متناميًا بأن استمرار الصراع بهذه الصورة لا يخدم الاستقرار في المنطقة، ولا ينسجم مع القيم التي تُروج لها أوروبا في العالم.

إن ما يحدث اليوم ليس تحولًا كاملًا، بل هو إعادة صياغة للعلاقة. فأوروبا لا تزال حليفًا لإسرائيل، لكنها بدأت ترسم خطوطًا حمراء لسياسات تراها مُتطرَّفة، ومُفْرِطَة، وغير قانونية. هذا بالطبع يعكس توجهًا جديدًا في السياسة الأوروبية الخارجية قد يتطور مستقبلًا إلى مواقف أكثر حزمًا ووضوحًا، خاصة إذا استمرت إسرائيل في تجاهل الدعوات الدولية لوقف العدوان والاستمرار في التصعيد.

بينما لوّحت بريطانيا وفرنسا وكندا بفرض عقوبات على إسرائيل، واتخذت خطوات دبلوماسية واقتصادية للضغط على إسرائيل لوقف عمليتها العسكرية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية على الفور. فعلّقت بريطانيا محادثات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، واستدعت السفيرة الإسرائيلية في لندن للتعبير عن رفضها لسياسات العدوان والتصعيد في غزة.

في حين وصف وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، الهجوم الإسرائيلي بأنه "غير مُبرر أخلاقيًا". بينما أوقفت فرنسا صادرات بعض المعدات العسكرية والأسلحة إلى إسرائيل منذ أكتوبر ٢٠٢٤، ومنعت الشركات الإسرائيلية من المشاركة في معرض فرنسي للأسلحة البحرية "يوروساتوري". بينما أوقفت كندا مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل منذ مارس ٢٠٢٤، واستدعت السفير الإسرائيلي بعد حادث إطلاق نار على وفد دبلوماسي كندي في مخيم جنين في الضفة الغربية. 

في النهاية، إن ما يحدث الآن ليس انقلابًا، بل مراجعة لعلاقة استراتيجية ودبلوماسية مع شريك تاريخي، مراجعة قد تؤدي إلى علاقة أكثر توازنًا وعدالة، قد تَصُبُّ في مصلحة الجميع إذا تم التعاطي معها بعقلانية وحكمة في المرحلة المقبلة. الأيام وحدها ستبرهن عما إذا كانت هذه التهديدات ستُترجم إلى أفعال ملموسة أو عقوبات جدية، أم أنها مجرد ورقة ضغط سياسية وإعلامية أو محاولة "لحفظ ماء الوجه" أمام العالم.