قطوف
فى زحام الناس
من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.
"سمية عبدالمنعم"

شعر بسعادة لا توصف وهو يقف أمام نافورة الأمنيات فى ذلك اليوم القائظ من أيام روما. امتزجت فى مخيلته صور الماضى بالحاضر، وعبرت خلالها إلى ذاكرته المتعبة ومضات من ماضٍ بعيد قريب.
لم يكن يحسب أبدا أنها ستعود إلى ذاكرته بعد هذه السنوات الطوال التى مضت. أكثر من عشرين عامًا.. لا إنها بالضبط ثلاثة وعشرون عامًا.
شعر برهة بأنها بجانبه.. أحس بأنهما حققا الحلم الذى طالما داعب خيالهما فى تلك السنوات. تمتم بصمت: ما أحلى أيام الشباب. ما زال يشعر بأنه شاب حتى إن أصبح فى منتصف الأربعين من عمره. ألم يقرأ دائمًا فى الروايات والقصص الرومانسية أن الشباب شباب القلب. مد يده إلى جيبه يستخرج قطعة معدنية يرميها فى بركة المياه كما يفعل الجميع من أمثاله من السواح. لا يدرى كم طال به الوقت ليستخرج القطعة المعدنية. لا شك أن فترة من الزمن قد مضت عاش خلالها لحظات مع تلك الأيام. ذكرها وهما يسيران على ذلك الطريق الضيق المؤدى إلى منزلها والذى ما زال يذكر كل تفاصيله إن كانت ما زالت باقية حتى الآن. عادت إلى ذهنه كل كلماتها.. كل أحلامها وكل كلماته.. كل أحلامه. كان حلمهما الكبير أن يسافرا معًا إلى روما.. أن يأتيا إلى نافورة الأمنيات ليحلما معًا فى مستقبل بنيا كل تفاصيله بكل دقائقها معًا.
ذكر أيضًا كيف عصفت بهما الأيام وافترقا. تظل تعيش معنا أحلامنا الحلوة. تضيع كل قساوة الزمن ولا تبقى إلا حلاوته.
أخرج القطعة المعدنية ورماها فى بركة المياه وهو يبتسم. نظر حوله واستغرب من نظرات فتاة تتطلع إليه وعلى فمها ابتسامة لها ألف معنى.
أرتبك قليلًا وتحول بنظراته إلى الجانب الآخر. زاد ارتباكه عندما تطلع صوب الفتاة ثانية ليراها ما زالت فى مكانها ونظرتها مصوبة نحوه. ابتسم لها واقترب خطوة نحوها تعتمل فى داخله تيارات متناقضة من الأفكار.
بادأته الكلام وهى تتجه نحوه قائلة: أثرت فضولى وأنت ساهم لدقائق طويلة ويظهر أن أمنيتك كبيرة.
ابتسم لها وقال: لم تكن أمنية. كانت تحقيقًا لأمنية. وحكى لها القصة وهى سائرة بجانبه تستمع فقط، ثم توقفت فجأة، وقالت له: «ما رأيك فى فنجان قهوة»، أجابها بسرعة: «فكرة رائعة»... أمسكت بيده وضاعا فى زحام الناس.
