الفساد والإثراء السريع
الفساد هو العدو الحقيقى للتنمية.. وهو الخطر الذى يهدد استقرار المجتمعات.. ويخلق حالة من الغضب المجتمعى والذى يصل إلى حالة من الحقد الجماعى والانقسام بين أبناء المجتمع.. الفساد يؤسس لمبدأ الإثراء السريع.. واستسهال المكسب المادى بأى صورة حتى ولو بارتكاب جريمة فساد.. وأداء لإقناع الناس بأن التجارة المحرمة قانونا هى حلال وأن هناك شخصيات كبيرة تحركها.. لتبرير ارتكاب جرائم الفساد ومبرر لممارستها.
انتشار المواد المخدرة والتنقيب عن الآثار وظاهرة المستريح وغيرها من الظواهر التى تهدف إلى تحقيق الربح السريع والتى تحول الشخص فى يوم وليلة من فقير معدم إلى مليونير وعندما تسأله من أين لك هذا يقول لك «من عند الله».
وفى ظل الفساد تنتشر الشائعات حول أشخاص بأعينهم ومسئولين والكلام عن عمولات لإتمام المشاريع أو المشاركة فيها مقابل الحماية وانجاز الموافقات وتصيب هذه الشائعات أجهزة فى الدولة محددة.. وهو الأمر المخطط للتشكيك فى وطنية هذه الأجهزة والقائمين عليها ما يفقد الثقة العامة فيها.
من أجل هذا تكمن الخطورة فى أى مجتمع لأن الدولة الجادة فى محاربة الفساد تكون كل أعمالها تتم فى شفافية ووضوح وأن يكون لديها إعلام حر قادر على طرح الأسئلة والتحقق من الشائعات والبحث عمن يطلقها لا ينتظر بيانا مقتضبا من الحكومة يصدر بعد أن تكون الشائعة قد لفت الدولة بأكلمها والدول المجاورة.
مكافحة الفساد تتطلب إرادة سياسية قوية تمنح الأجهزة الرقابية حرية متابعة ومعاقبة الفاسدين مهما كانت مناصبهم وحصانتهم ومهما كان من وراءهم والاعلان للشعب حتى يثق الناس بقدرة أجهزة الرقابة على القيام بعملها وبالتالى تعود الثقة فيها فهذا هو بداية الطريق للحرب ضد الفساد والفاسدين.
وكل المختصين بمكافحة الفساد والدراسات والأبحاث العديدة فى العالم يؤكدون أن الفساد ينمو فى ظل تقييد حرية الصحافة والإعلام وفى ظل قوانين تفرض العقوبات على كل من ينشر عن وقائع فساد أو حتى الاشارة اليها حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعى التى أصبحت وسيلة التعبير الوحيدة لغالبية المواطنين الذين يستخدمونها..
الدول التى صدقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عليها التزامات يجب القيام بها حتى تظهر للمجتمع الدولى أنها جادة فى مكافحته.. وعليها تصدر سلسلة القوانين التى نصت عليها الاتفاقية منها قانون يعزز استقلال السلطة القضائية وآخر لتضارب المصالح وثالث لحرية تداول المعلومات وتشكيل هيئة مستقلة لمكافحة الفساد وهى تحتاج إلى قانون إنشائها وفق المعايير التى نصت عليها الاتفاقية.
لأننا مقبلون على انتخابات برلمانية لمجلسى النواب والشيوخ وسيقدم النواب تقارير ذمة مالية بعد انتهاء دورتهم وكانوا قدموا قبل دخول المجلسين فعلى إدارة الكسب غير المشروع الإعلان عن هذه القرارات وفق نصوص الاتفاقية حتى يعرف الناخب من تطورت ثروته بصورة طبيعية ومن تضخمت بصورة مشكوك فيها وهو أمر إلزامى.
مكافحة الفساد ليست مسئولية الأجهزة الحكومية فقط ولكن مسئولية شعبية وتوعية الناس بعدم قبول أى ممارسات فاسدة تجعل هناك إرادة شعبية تساند الإرادة السياسية ويختصر الزمن فى الحد من ظاهرة الفساد.