بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الحمض النووي القديم يكشف أسرار انهيار حضارة المايا

حضارة المايا القديمة
حضارة المايا القديمة

حضارة المايا .. في اكتشاف علمي غير مسبوق، كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Current Biology أن تحليل الحمض النووي المستخرج من رفات بشرية في مدينة كوبان القديمة، أحد أبرز مراكز حضارة المايا في هندوراس، أتاح للعلماء إعادة بناء الصورة السكانية والجينية لهذه الحضارة الغامضة، وسلط الضوء على أسباب تراجعها المفاجئ.

كوبان: مدينة ملكية ومركز تقاطع حضاري

وكانت مدينة كوبان، التي ازدهرت بين القرنين الثالث والعاشر الميلاديين، مركزًا سياسيًا وثقافيًا مهمًا في الجنوب الغربي من حضارة المايا، وموطنًا لسلالة ملكية دامت أكثر من 400 عام. ولطالما شكلت مقبرتها الملكية محورًا رئيسيًا لأعمال التنقيب، إذ وُجد فيها ملوك دفنوا إلى جانب قرابين بشرية.

لكن الأصول الوراثية لسكان كوبان، رغم ثراء الموقع الأثري، ظلت غير مفهومة. هذه الدراسة الجينية، التي اعتمدت على تحليل رفات سبعة أفراد، بينهم شخصية يُعتقد أنها كانت حاكمة، غيّرت المعادلة.

أدلة جينية على التواصل والانحدار

أظهرت نتائج التحليل أن سكان كوبان كانوا على صلة وراثية وثيقة بشعوب مناطق المايا في شمال أمريكا الوسطى، خاصة المكسيك وبليز. كما بينت الدراسة وجود روابط مع شعوب المرتفعات الوسطى في المكسيك، وهو ما كان مجرد افتراض سابق.

وأبرز ما كشفته الدراسة أن مدينة كوبان شهدت تراجعًا كبيرًا في عدد السكان قبل حوالي 1200 عام، وهو ما يتوافق مع تدهور حضارات المايا الأخرى في الفترة ذاتها، وهي الحقبة المعروفة باسم "أواخر العصر الكلاسيكي".

من الانهيار السكاني إلى الانقراض الحضاري

يرجّح الباحثون أن الانخفاض السكاني الحاد كان نتيجة لمجموعة من العوامل البيئية والاجتماعية، وعلى رأسها موجات الجفاف المتكررة التي ضربت المنطقة خلال القرنين التاسع والحادي عشر. 

وساهم هذا التغير المناخي في إشعال الصراعات الداخلية وزيادة هشاشة البنية السياسية والاجتماعية، مما أدى في النهاية إلى انهيار حضارة المايا الكلاسيكية.

وعلى الرغم من الانهيار، تُظهر الدراسة وجود امتدادات جينية لسكان كوبان في مجتمعات المايا الحديثة، وحتى في شعوب أمريكا الجنوبية مثل سكان جبال الأنديز. هذا الامتداد الوراثي يعكس استمرارية حضارية على مستوى الأنساب، رغم زوال المؤسسات السياسية والثقافية.

بهذا التحليل المتقدم للحمض النووي، لم تعد قصة حضارة المايا مجرد رواية حجرية منحوتة في المعابد، بل باتت أيضًا تسلسلًا جينيًا يحمل في طياته أسباب السقوط والتغيير، ويمنحنا رؤية أوضح لتاريخ واحدة من أعظم حضارات العالم القديم.