لعل وعسى
لحظة الخليج ونظرة الطريق(٢)
تناولنا فى المقال السابق الواقع الاقتصادى لزيارة الرئيس دونالد ترامب لكل من المملكة السعودية ودولة قطر ودولة الإمارات فى مايو الحالى، وكيف أن هذه الزيارة حملت دلالات عديدة، تتعلق أولى هذه الدلالات بمدى أهمية هذه الدول، اقتصاديًا واستراتيجيًا، بالنسبة للولايات المتحدة، ثانيًا الضرورات الاقتصادية الأمريكية الملحة فى الداخل، والتطورات الجيوسياسية العالمية، كما أن الولايات المتحدة باتت تعول على الدور الخارجى للدول الخليجية الثلاث، أو ما يعرف بلحظة الخليج من أجل الإسهام فى تحقيق الاستقرار الإقليمى والدولى. وهذه الجولة تضمنت ملفات عدة، اقتصادية وسياسية، واستراتيجية مهمة للطرفين، كما تم إبرام العديد من الصفقات تجاوزت على لسان الرئيس ترامب ٥.٢ تريليون دولار، وتم عرض تساؤل أنه فى حين تسلط الصفقات السابقة الضوء على القطاعات محل الاهتمام الخليجى، إلا أن المهم كيف يمكن لهذه الصفقات أن تعزز مسيرة التنمية عبر دعم محركات النمو الخليجي؟ من المعلوم ان محركات النمو الخليجى تقوم على النمو المتوقع فى الأنشطة غير النفطية، والتنويع الاقتصادى، والاستثمارات البينية الخليجية، والابتكار، وتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة، لذا تهدف رؤية 2030 فى دول الخليج إلى تقليل الاعتماد على النفط وتوسيع نطاق الأنشطة غير النفطية، ما يدعم جهود التنويع، لذلك فإن الخطط التنموية الخليجية الآن تركز على تطوير المجتمعات ولا تعمل على تعزيز التأثير الاجتماعى فحسب، بل تدفع أيضًا النمو الاقتصادى إلى الأمام، وبالتالى فإن تلك الخطط قد تدعم نمو الناتج المحلى الإجمالى لمنطقة الخليج بـ%4، ما يعزز مرونتها الاقتصادية فى ظل أى تحديات عالمية. كما أن الملف الديموغرافى لمنطقة الخليج يعزز أيضًا ضرورة اتباع نهج اقتصادى قائم على المجتمعات المحلية، فوجود 5% فقط من سكان الخليج فوق سن الـ65 عامًا، تعنى أنها دول لديها فرص لا مثيل لها للاستفادة من قوتها العاملة الشابة والحيوية، لذلك فإنه حين يتم دمج الفئات الشابة مع المواهب المحلية والتراث الثقافى وتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة فإن مشاريع البنية التحتية تصبح أهم محرك للتحول الإجتماعى والاقتصادى لدول الخليج. ولكن الواقع الآنى يؤكد أن زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لثلاث دول خليجية هذا الشهر قد أعادت اكتشاف القوة الناعمة للمال العربى، مثلما أعادتها بعد حرب أكتوبر 73 بسلاح البترول، ومن وجهة نظرنا أنه يمكن استخدام القوة الناعمة لسلاح المال العربى لتصحيح خلل تاريخى فى علاقات المنطقة بالعالم، وتصحيح خلل تاريخى يهدد السلام فى المنطقة، مع ضرورة إدراك أن المحرك الأول لهذه الصفقات هو الطموح إلى بناء قلعة تكنولوجية متقدمة ذات وجه إنسانى فى هذه المنطقة من العالم، طموح قد يعوض شعوب المنطقة عن قرون من التخلف عاشوها تحت سيطرة قوى أجنبية. وفى هذه العملية تكون قوة الإرادة وليس الزمن هى المحرك الأول. أما المحرك الثانى فهو أن خريطة المنطقة وتوزيع القوى فيها، ومكانتها بين القوى المهيمنة، فإنها تتهيأ للانتقال من هذا الحال إلى حال أفضل، لذا فإن تقييم صفقات ترامب مع دول الخليج يحتاج نظرة أوسع، وهو ما سنستكمله فى المقال القادم إن شاء الله.
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام