صراع التاريخ والمال في الملاعب المصرية..
بيراميدز يسابق الزمن والمقاولون يراهن على الجذور

تتجلى مفارقة لافتة بين ناديين يمثلان نموذجين متناقضين في فلسفة البناء والنجاح في المشهد الكروي المصري؛ المقاولون العرب، النادي العريق الذي صنع مجده من رحم الموهبة والتخطيط طويل الأمد، وبيراميدز، الفريق الصاعد المدجج بالاستثمارات الذي يسابق الزمن لصناعة تاريخ من الألقاب. بين ضفتي الخبرة والتمويل، يتقاطع طريقان مختلفان نحو المجد في واحدة من أكثر المقارنات إثارة في الكرة المصرية.
تأسس المقاولون العرب، عام 1973، لم يكن ناديًا تقليديًا، بل مشروع رياضي متكامل خرج من عباءة مؤسسة وطنية كبيرة ليشق طريقه في منافسة الكبار دون صخب إعلامي أو دعم جماهيري جارف، ومع ذلك، استطاع أن يحفر اسمه في سجل الإنجازات الأفريقية حين تُوج بكأس أفريقيا للأندية أبطال الكؤوس ثلاث مرات (1982، 1983، 1996)، ليصبح واحدًا من القلائل في القارة الذين نجحوا في رفع هذا اللقب أكثر من مرة، وليثبت أن التخطيط والهوية قد يصنعان ما لا يصنعه المال.
محليًا، عرف الفريق طريق البطولات بفوزه بكأس مصر عام 1990 وكأس السوبر المصري عام 2004، وبرز باستمرار كفريق منظم، يصدّر النجوم ويُجيد اكتشاف المواهب، وفي مقدمتهم النجم العالمي محمد صلاح، الذي بدأ مسيرته من جدران "ذئاب الجبل" قبل أن يصبح أحد أفضل لاعبي العالم في قميص ليفربول الإنجليزي. ويكمل هذا المشهد أسماء أخرى كمحمد النني، وطارق السعيد، وأيمن عبدالعزيز، ومحمد رضوان، وكلهم حملوا راية التألق وارتدوا قميص المنتخب بعد محطاتهم في المقاولون.
وفي ساحات أفريقيا، لم تكن مشاركات المقاولون مجرد حضور شرفي، بل كانت معارك حقيقية حسمها الفريق لصالحه بفضل لاعبين مثل حاتم رضا، إبراهيم يوسف، وأحمد سيف، الذين صنعوا مجد الفريق في بطولات القارة، وكرّسوا صورة نادٍ يعرف كيف يفوز رغم محدودية الإمكانات، ويجيد الجمع بين الخبرة والطموح دون التفريط في هويته الكروية.
على الطرف الآخر من المقارنة، يبرز نادي بيراميدز كنموذج استثماري حديث، انطلق فعليًا في ثوبه الاحترافي عام 2018، حين تم الاستحواذ عليه من مستثمرين خليجيين سعوا لتقديم مشروع تنافسي جديد في الكرة المصرية، يقوم على ضخ الأموال واستقطاب النجوم من الداخل والخارج.
ورغم حداثته، استطاع بيراميدز أن يفرض نفسه على ساحة المنافسة المحلية، ووصل إلى نهائي كأس الكونفدرالية الأفريقية عام 2020، واحتل مراتب متقدمة في الدوري، ليؤكد قدرته على كسر هيمنة الأهلي والزمالك في زمن قياسي.
لكن مع اختلاف المسارين، تتباين الفلسفات، فالمقاولون العرب يمثّل ناديًا يُراكم النجاح عبر البناء التدريجي، ويؤمن بأن الاستثمار الحقيقي هو في العنصر البشري والتكوين المستدام، بينما يعتمد بيراميدز على "النتائج السريعة"، التي تُعززها وفرة الموارد وجاذبية المشروع لدى اللاعبين، في محاولة لصياغة مجد لم يُكتب بعد.
وإذا كان بيراميدز لا يزال في طور صناعة التاريخ، فإن المقاولون العرب يعيش على إرث صنعه بعزيمة وإصرار، ويواصل المراهنة على الجذور رغم تحديات العصر.
وبين الحاضر المندفع والماضي المتجذر، تتشكل ملامح مواجهة رمزية في الملاعب المصرية، تختصر معركة أوسع بين من يؤمن بأن المجد يُصنع بالصبر، ومن يراهن على أن المال قادر على تسريع الإنجاز.