بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

ونس الدكة

شجرة النقد

فى صمت صوفى يسبق ثقل الحزن على الروح والقلب رحل الدكتور محمد السيد إسماعيل الشاعر والناقد الأدبى الكبير، لتسقط ورقة خضراء ندية من شجرة النقد المصرية الوارفة، ودع الجميع تاركاً مع كل كاتب شاب أو شاعر ما زال فى بداياته حكاية دعم وسند ودراسة مستفيضة لعمله الوليد، لذلك جاءت جنازته مهيبة محاطة بكافة الأطياف الأدبية والشعرية والنقدية فى اجماع ضمنى أن الراحل يستحق هذا الحشد بحجم عطائه الممتد لأكثر من أربعة عقود كاملة من عمر الزمن النقدى المصرى.
لن أتحدث كثيراً عن الدكتور محمد السيد إسماعيل الناقد والشاعر النبيل فهناك وداع خاص لرحيله من صفحة «أوراق ثقافية» لمسيرته الإبداعية الطويلة.
ولكنى سأتناول الناقد كمبدع موازٍ للعمل الأدبى، وعراب يلعب دورًا مهمًا يساعد فى تحليل العمل، تقييمه، وتطويره. كما يسلط الناقد الضوء على نقاط القوة والضعف فى العمل، ما يسمح للمبدع بتعديله وتحسينه، سواء من خلال تعديل بعض جوانبه أو إدخال تغييرات جوهرية.
وغالباً ما تصب علاقة المبدع بالناقد فى مصلحة القارئ الشغوف بكشف أسرار العمل الذى يقرأه وتفكيك رمزيته فيضيف العمل من قناعاته حول الحياة والفن والسياسة.
وقد تعدّدت كتب النقد وتنوّعت فى مجال الأدب والمسرح والسياسة ومُختلف المجالات الأخرى، ولعلّ من أبرز كتب النقد القديم كتاب «تأريخ النقد الأدبى عند العرب» وهو كتاب تحدّث عن نقد الشعر فى القرن الثانى حتى القرن الثامن هجرى، من تأليف الكاتب المُبدع الفلسطينى «إحسان عباس»، احتوى الكتاب على بدايات نقد الشعر واتجاهاته والصراعات النقدية التى حصلت حول الكثير من الشعراء أمثال: أبى تمام والبحترى والمتنبى، كما تضمّن الكتاب الأثر اليونانى وفكرة الإعجاز، وأشار الكاتب الكبير إحسان عباس إلى مقالات وآراء النقاد من أمثال: الجاحظ، وابن خلدون والفارابى وابن الاثير وشيخ البلاغيين عبدالقاهر الجرجانى. 
ولعل من أفضل الكتب النقدية الأدبية كتاب للناقد الدكتور ماهر شفيق فريد أستاذ الادب الانجليزى بعنوان «فى الأدب والنقد» وقد تناول الكتاب النقد بشكل مُتطابق تمامًا لتراث النقد الأدبى، وتحدّث الكتاب عن تاريخ المذاهب الأدبيّة، وعن تاريخ النقد الأدبى، وتطرّق إلى النقد المسرحى وأنواعه، وتناول أيضًا أهم أُسس ومعايير النقد الأدبى.
أما أشهر كتب النقد الأدبى، فهو الذى ألّفه أبو هلال العسكرى، وتحدّث فيه عن التراث النقدى للأدب والبلاغة والنقد الأدبى فى شتّى الأزمان القديمة ولقد قام أبو هلال العسكرى بتلخيص الكثير من الكتب المُعتمدة فى النقد القديم فى كتابه ومن هذه الكتب: طبقات الشعراء للكاتب ابن سلام. البيان والتبيين للكاتب أبو عثمان الليثى الكنانى البصرى (الجاحظ). نقد الشعر للكاتب أبن قتيبة. البديع للكاتب ابن المعتز. الموازنة للكاتب الآمدى. الوساطة للكاتب الجرجانى.
وللناقد والكاتب الشهير «محمد مندور» كتاب مهم بعنوان «النقد والنقاد المعاصرون»، عرف فيه النقد الأدبى بانه ظهر لوضع معايير تُقيم جودة العمل الفنى المقدَّم، ولم يكتمل النقد بذلك المفهوم إلّا فى العصر الحديث، ويكشف محمد مندور فى الكتاب عن كثير من الدراسات والأبحاث حول كثير من الأدباء، ومن الأدباء النقاد الذى أشار إليهم ميخائيل نعيمة. أحد أهم كتاب المهجر اللبنانيين فى أمريكا أوائل القرن الماضى حيث تميز نعيمة بنقده البناء، ونشر كثير من المقالات النقدية فى فن المسرح وغيره.
ويتفق الدكتور محمد غنيمى هلال مع الناقد الكبير محمد مندور فى كتابه «النقد الأدبى الحديث» على أنَّ النقد الأدبى قد تطور كثيرًا فى العصر الحديث، وتغير من جوانب عديدة، إذ كان النقد قديمًا حبيسًا لدى علوم أخرى، مثل: علوم اللغة والأدب، وطورًا يهتم بالتاريخ وطورًا بالفلاسفة والفلسفة. إضافةً إلى علم الاجتماع وعلم النفس والأخلاق والاقتصاد وغيرها، ويُصور الكتاب أنَّ النقد كان قديمًا مفروضًا عليه أن يظل مرتبطًا بالعلوم الأخرى، ولكنَّه فى العصر الحديث أصبح له كيانه المستقل، ومن هنا ينطلق محمد غنيمى هلال فى كتابه للتبحر فى النقد الأدبى حديث، وكل ما يتعلق به. ويرى أن هذه الفترة كانت حركة إحياء نقديّة على يد العديد من النقاد، ومن أشهرهم الشيخ حسين المرصفى.
وتتعدد القضايا الأدبيّة والنقديّة التى يتعرّض لها النقاد والأدباء، ومن هذه القضايا التى تعرّض لها النقد الأدبى: قضية المفاضلة أو الموازنة بين شعرَين أو شاعرَين. قضية السرقات الشعريّة. قضيّة عمود الشعر. قضية العلاقة بين الشعر والأخلاق أو الشعر والدين. قضية الوحدة والكثرة فى القصيدة. 
وقد اختلفت الأذواق والمناهج المتّبعة فى النقد الأدبى عبر التاريخ، نظراً لاختلاف المدارس الفكريّة والأدبية والدينيّة التى تخرّج منها النقاد العرب، وظهرت العديد من المناهج والاتجاهات النقديّة ومنها: الاتجاه الذى يعتمد على الذوق الملموس والثقافة العربيّة النقيّة، التى تأثرت وما زالت بالقرآن الكريم والحديث النبويّ. الاتجاه الذى يربط بين الثقافة العربيّة الإسلاميّة والثقافة الغربيّة، وفى الوقت نفسه يحافظ على الأصالة العربيّة. الاتجاه الذى تبرز فيه الثقافة الغربيّة، فيطبق منهج نقّاده، ويعملون بمبادئها ومقاييسها. الاتجاه النقديّ الإسلاميّ، الذى يهتم بجوهر العمل الفنيّ وقيمه، فيسلّط الضوء على الشخصيّة الإسلاميّة وتراثها العريق.