تحيى معانى الرحمة والتكافل فى المجتمع
'صكوك الاضاحى...حلول مبتكرة ضد الغلاء

يفصلنا أقل من ثلاثة أسابيع على حلول عيد الأضحى المبارك 2025، وتتجدد معه تساؤلات المواطنين حول القدرة على أداء شعيرة الأضحية، فى ظل ارتفاع غير مسبوق فى أسعار اللحوم هذا العام. فقد ارتفع سعر العجل البقرى بنسبة 11% ليصل إلى 114 ألف جنيه لوزن 600 كجم، بينما سجل الجاموس زيادة بنحو 7% ليبلغ 96 ألف جنيه، وقفز سعر الخروف البلدى بنسبة 22% ليصل إلى 15,400 جنيه بوزن 70 كجم. ومع هذه الزيادات المتتالية، يفرض السؤال نفسه: هل أصبحت الأضحية رفاهية للأغنياء فقط؟
ولأن الأضحية من أعظم شعائر عيد الأضحى، بل أساسها،ورأس التكافل الإجتماعى فيها، يستشعر المسلم الحرج فى عدم تقديم الأضحية أو على الأقل التوسعه على أهل البيت باللحوم فى العيد، وفى هذا السياق أوضح الدكتور على فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الأضحية سنة عن النبى صلى الله عليه وسلم وهى جائزة للمستطيع فقط، أما غير القادر فلا شىء عليه ولا حرج، مستشهدًا بقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} {البقرة: 286}.
وأضاف فخر:»إذا شعر المسلم أن بهجة العيد لا تكتمل فى نفسه إلا بالبذل والتصدق، فلا مانع شرعًا أن يُضحى ولو عن طريق التيسير أو التقسيط، لكن ذلك لا يُعد واجبًا عليه، والمولى عز وجل مطلع على نواياه وقد يُجازيه حتى وإن لم يُذبح فعليًا.»
كما أكدت دار الإفتاء فى فتوى رسمية، أن الأضحية سنة مؤكدة على القادر، ولا يُستحب الاقتراض من أجلها، إذ أن من لا يملك ثمنها لا يُطلب منه الاستدانة لأدائها، ومن فعلها نال الأجر، ومن تركها لا إثم عليه.
فى حين وضحت الإفتاء أن الاقتراض جائز بشرط أن يكون قرضًا حسنًا، وأن نية التضحية تُؤجر حتى وإن كانت بالدَّين، طالما أن المكلَّف يعلم بقدرته على السداد دون مشقة.
ويقول الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، » يجوز اشتراك أكثر من اثنين فى ذبح خروف الأضحية، إذا خرجت الأسعار عن حدود الاستطاعة فهناك مَن ضحوا سابقًا لن يستطيعوا هذا العام، فلا تحرموا أنفسكم من الأضحية.»
وأضاف: »مفيش مانع إن شخصين أو أكثر يشتركوا فى خروف، أو فى سُبع عجل، بنيّة: يا رب مش قادرين أكتر من كده، اقبل أضحيتنا».
لكن فى المقابل، جاء ردّ الدكتور مجدى عاشور، المستشار العلمى لمفتى الجمهورية، حاسمًا برفض هذا الطرح، مؤكدًا أن:»لا يجوز الاشتراك فى شاة واحدة أو فى سُبع بقرة بين شخصين، حتى لو كان الغلاء هو الدافع، لا عبرة بارتفاع الأسعار فى هذه المسألة، والمذاهب الأربعة لا تبيح ذلك».
وأضاف عاشور: »الشاة تجزئ عن فرد واحد ومن يعول، وكذلك سُبع البقرة، لكن لا يجوز الاشتراك فى ثمن الشاة أو البقرة بين شخصين غير معولين على بعض، لأنه خلاف ما ورد فى النصوص، وما أقره جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية.»
وما بين الاقتراض والاشتراك فى أضحية واحده، يتجة الكثير إلى صكوك الأضحية الشرعية ومنهم من يشترى صكًا بالتقسيط، وفى هذا السياق أكدت دار الإفتاء المصرية أن صك الأضحية يُعد بمثابة عقد شراء للأضحية وتوكيل بالذبح، مشيرة إلى أن هذا الإجراء جائز شرعًا ما دام قد استوفى شروطه الشرعية، حيث أن صك الأضحية يُعد أحد صور الوكالة، وهى جائزة شرعًا فى النيابة عن الذابح، ويجوز لمن تعذر عليه أداء سُنَّة الأضحية بنفسه أن يُنيب عنه إحدى الجمعيات الخيرية أو غيرها، عن طريق هذا الصك أو ما يشابهه.»
وأكدت الإفتاء أنه لا مانع شرعًا من شراء الأضحية بنظام التقسيط، سواء من التاجر مباشرة أو من خلال صك الأضحية، مشددة على أن ذلك لا يتعارض مع اشتراط تملّك المضحى للأضحية قبل وقت الذبح.
وأوضحت الدار قائلة»البيع بالتقسيط جائز شرعًا ما دام الثمن والأجل محددين عند التعاقد، وتدخل الأضحية فى ملك المشترى بمجرد استلامها من التاجر أو عند استلام الصك، حتى لو لم يُسدَّد كامل الثمن بعد.»
وشددت الإفتاء على أن:»بمجرد استلام المشترى للأضحية أو الصك، يصبح مالكًا لها شرعًا، ولا يضر كون باقى الأقساط فى ذمته، إذ إن الملك لا يُشترط فيه سداد الثمن كاملًا قبل الذبح.»
وتشهد أسعار الأضاحى فى مصر ارتفاعًا ملحوظًا بسبب زيادة تكاليف الأعلاف والنقل وقلة المعروض، حيث بلغ سعر كيلو اللحم القائم للعجول البلدى بين 175 و185 جنيهًا، وللخراف البلدى بين 200 و210 جنيهات، مع تفاوت فى الأسعار حسب النوع والجودة. هذا الارتفاع يجعل تكلفة الأضحية الكاملة مرتفعة جدًا، ما يضغط على ميزانيات الأسر، خاصة مع زيادة الطلب قبل العيد.
ولكن رغم الغلاء وضيق الحال، تظل الأضحية شعيرة عظيمة تُحيى معانى الرحمة والتكافل فى المجتمع، وبين من يقدر ومن يعجز، يبقى الأصل أن الله لا يكلّف نفسًا إلا وسعها، وأن النية الصادقة قد تسبق الذبح أحيانًا، ومع فتاوى العلماء التى فتحت أبواب التيسير، بات فى وسع كل مسلم أن يشارك فى فرحة العيد، كلٌ حسب استطاعته.

