بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

على أعتاب الستين

قبل أيام قليلة ودعت عامًا من عمرى لأبدأ مرحلة جديدة فى حياتى، تهفو فيها النفس الإنسانية للحظات تأمل فيما أنجزت وما حققت من أحلام وطموحات وأمانٍ على مدى رحلة مضنية، لكنها مرضية وغنية بالدروس وداعية للتأمل والتدبر فى الحياة وأسرارها.

لا يزعجنى الزمن، ولا تحزننى حركته السريعة، فأنا ممن يؤمنون بأن أعمار البشر لا تحتسب أبدًا بعدد سني العمر، وإنما بقدرة هؤلاء البشر على التأثير إيجابيًا فيمن حولهم. لقد حققت فى حياتى كثيرًا مما حلمت به، وأشعر بالرضا والامتنان لنعم الله عليَّ، وعلى رأسها نعمة الصحة والعافية، والقدرة على العمل والعطاء فى أكثر من مسار، مع منح النفس حقها فى التأمل والسكينة، وتجنب المعارك العبثية، والمجادلات التى لا طائل منها.

وكثيرًا ما أنصح الأصدقاء ممن يقاربون الخمسين والستين من أعمارهم بعبارة الأمريكية إلينور روزفلت الشهيرة التى تقول فيها: «إن الأمس صار تاريخًا، وغدًا لا نعرف عنه شيئًا، أما اليوم فهو هدية السماء، فعلينا أن نقدرها ونحافظ عليها».

ومن أحدث الكتب التى قرأتها فيما يخص التقدم فى العمر كتاب «الحياة بعد الستين» للكاتب باول فالياند، وكتاب «السنوات الذهبية» للكاتب جاكسون ستيل. وفى كلا الكتابين نتعرف على استراتيجيات واضحة للإنسان للحفاظ على عطائه الإنسانى وسلامه النفسى واستمتاعه بالحياة. فكل إنسان يمكنه أن يحول كل لحظة يعيشها إلى لحظة ذهبية، من خلال التفاؤل والرضا والتفكير الإيجابى والحرص الدائم على الدعابة وتجنب الانفعال وقبول الآخر.

إن على المرء أن يفكر بموضوعية وحيوية كما لو كان فى العشرين من عمره. صحيح أن الحياة لا تبدأ بعد الستين كما يردد البعض، لكنها بالقطع لا تنتهى عندها، بل يمكن أن تنتعش وتنضج وتتطور قدرة صاحبها على التأقلم والتكيف والاستمتاع بكافة جوانبها. وحسبنا هنا أن نتذكر مقولة الكاتب الكبير عباس العقاد التى يقول فيها: «كنت شيخًا فى الشباب، فلا عجب أن أكون شابًّا فى الشيوخ».

إننا نتذكر أيام الطفولة والصبا والشباب كأنها الأمس القريب، فكما يقول صديقى الكاتب والإعلامى المتميز إبراهيم عيسى فى كتابه «على مشارف الخمسين»: «فإن أحدًا فينا لا يمشى فى حاضره إلا وهو ممسك بطفولته فى يده يصحبها معه إلى المستقبل». وذلك يعنى أن اللحظات الجميلة والمشاعر البريئة التى نعيشها يومًا لا تفارق أرواحنا فى كل مرحلة من مراحل الحياة، فى الثلاثين والخمسين والسبعين، وتظل دافعًا دائمًا ومحفزًا مستمرًّا للإقبال على الحياة والنظر للغد بإيجابية ورضا.

لقد كنت أقول ولا أزال إن العجائز هم فقط من تخلوا عن حماسهم فى الحياة، لأن الحياة قرار، والشباب قرار، والشيخوخة قرار، وعلينا أن نحتفظ دومًا بقدرتنا على التغيير والتطور واستشراف القادم والتحلى بالأمل. فأخطر أنواع التجاعيد هى تلك التى تتكاثر حول العقل، وتغلف الفكر، فتحرر منها. فكل إنسان يستطيع أن يبقى شابًا، ما دام قادرًا كل يوم على البحث عن جديد فى حياته، وحيوات من معه. أن ينفتح على العالم والناس والأفكار، ويحلم ويبتسم، رغم كل شيء.

وسلامٌ على الأمة المصرية...