بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

من المناورات الجوية إلى مشاريع الفضاء.. مصر تضع قدمها في عالم التعاون مع الصين

بوابة الوفد الإلكترونية

في السنوات الأخيرة، تعمقت العلاقات التكنولوجية بين مصر والصين بشكل ملحوظ ، مع توقيع اتفاقيات ومبادرات مشتركة تغطي مجالات متنوعة مثل الذكاء الاصطناعي، والفضاء، والاتصالات، والتصنيع التكنولوجي.

وجاء ضمن أولوية هذا التعاون  البحث العلمي والذكاء الاصطناعي، حيث أطلقت مصر والصين برنامجًا لإنشاء ثلاثة معامل بحثية مشتركة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والروبوتات المتقدمة، وتكنولوجيا التنمية المستدامة (مثل الطاقة الخضراء وإعادة التدوير). ويحصل كل مشروع على تمويل يصل إلى 20 مليون جنيه مصري من الجانب المصري و3 ملايين يوان صيني، مع ضمان استمرارية المعامل لمدة خمس سنوات بعد انتهاء التمويل

يشمل التعاون نقل التكنولوجيا وتوطينها في مصر، خاصةً في الزراعة الذكية وتقنيات الحد من الفقر المائي  .
التعاون العسكري

كما يشهد التعاون العسكري بين مصر والصين تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خاصة مع تركيز مصر على تحديث القدرات العسكرية المصرية وتنويع مصادر التسليح، خاصة في ظل التوترات الإقليمية والقيود الأمريكية على توريد أسلحة متقدمة. 
و أُجريت أول مناورة جوية مشتركة بين البلدين تحت اسم "نسور الحضارة 2025" في قاعدة وادي أبو ريش الجوية بمصر، وشملت التدريبات تبادل الخبرات في التكتيكات الجوية، والتخطيط المشترك للعمليات، وتدريبات على الإمداد والتموين الجوي، مما يعزز القدرات التشغيلية للقوات الجوية المصرية .  
يُعتقد أن هذه المناورات تمهد لصفقات تسليح مستقبلية، حيث تستخدم كمنصة لعرض التكنولوجيا الصينية وتقييمها من الجانب المصري .
وسبق لمصر أن حصلت على منظومة الدفاع الجوي الصينية HQ-9B، التي تعد نظيرةً لمنظومة S-400 الروسية، مع قدرة على تتبع وإسقاط أهداف على مدى 300 كم .
وتسعى الصين إلى نقل تكنولوجياتها العسكرية لمصر، بما في ذلك إمكانية إنشاء خطوط إنتاج محلية للأسلحة الصينية، كالمقاتلات أو مكوناتها، مما يعزز الصناعة الدفاعية المصرية .  
ويشارك الطيارون المصريون في تدريبات على المقاتلات الصينية، مما يسهل عملية استيعاب التكنولوجيا الجديدة ودمجها مع الأنظمة الحالية مثل ميغ-29 الروسية ورافال الفرنسية .  


*الرسائل السياسية *  


ترسل مصر عبر هذا التعاون رسالةً لواشنطن بأنها ليست مقيدةً بمصدر تسليح واحد، خاصة مع رفض الولايات المتحدة تزويدها بأسلحة متقدمة كتلك الممنوحة لإسرائيل .  
كما يساهم التعاون في تعزيز النفوذ الصيني بالشرق الأوسط، عبر شراكة مع مصر كقوة إقليمية رئيسية تسيطر على قناة السويس، وهي نقطة حيوية للتجارة العالمية .  
من الناحية المصرية، يعد هذا التعاون جزءًا من استراتيجية لمواجهة التحديات الأمنية في سيناء والبحر الأحمر، وتعزيز الردع في ظل التوترات مع إسرائيل حول غزة .

القلق الإسرائيلي والأمريكي

 


أثارت المناورات قلقًا في إسرائيل، خاصة مع اقترابها الجغرافي من حدودها الجنوبية، وتوقيتها المتزامن مع التوترات حول غزة والحدود المصرية-الإسرائيلية .  
و يُعتبر التسلح المصري بالأنظمة الصينية تهديدًا محتملًا للتفوق الجوي الإسرائيلي، لا سيما مع قدرات أنظمة الدفاع الجوي الصينية التي قد تعيق عمليات الطيران الإسرائيلي .  
من جهة أخرى، تعبر الولايات المتحدة عن قلقها من توسع النفوذ الصيني العسكري في منطقة تُعد تقليديًا ضمن نطاق مصالحها .
 


بناء الكوادر

ولا يمكن ان نتحدث عن توطيبن تكنولوجيا دون تدريب العنصر البشري ، لذا تعاونت مصر مع جامعة تشنزن الصينية لإنشاء برامج تعليمية مزدوجة الدرجات وفرع للجامعة في مصر، بهدف تبادل الخبرات في التدريب التقني ورفع مهارات الطلاب .  
وتم إنشاء ورشة عمل لوبان في مصر كجزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية، لتعزيز التعليم المهني والتكنولوجي عبر تدريب الكوادر على أحدث التقنيات الصناعية .  
كما توسعت مصر في إنشاء الجامعات التكنولوجية، حيث وصل عددها إلى 12 جامعة حكومية وخاصتين مع خطط لزيادة العدد إلى 27 .

---

*تعاون فضائي *  

وعلى الجانب العلوم والفضاء، استضافت وكالة الفضاء المصرية المنتدى الصيني للتعاون في علوم الفضاء، الذي ناقش تقنيات الرصد الأرضي، وأنظمة الرادار الفضائي، والاستشعار عن بعد. 
وشملت الفعاليات تبادلًا بحثيًا بين مهندسين مصريين وصينيين في مجالات الظواهر الجوية وتقنيات القياس الإشعاعي .  
وقد عبرت مصر عن أملها في تطوير شراكة مع الصين لإطلاق أقمار صناعية وصواريخ فضائية، كجزء من طموحاتها المستقبلية .


الاتصالات والبنية التحتية
وفي مجال الاتصالات والتكنولوجيا، وُقعت  مصر خمس مذكرات تفاهم مع الصين لإنشاء مصانع كابلات الألياف الضوئية، ومراكز بيانات، وصندوق استثماري تكنولوجي بقيمة 300 مليون دولار. ومن أبرز المشاريع:  مصنع لتصنيع كابلات الألياف الضوئية بالتعاون مع شركة ووهان فايبرهوم الصينية، بطاقة إنتاجية تصل إلى 3 ملايين كيلومتر سنويًا، مع تصدير 40% من الإنتاج إلى أسواق عالمية .  
 بالإضافة إلي إنشاء مركز بيانات سحابي بالشراكة مع تسينغهوا يونى جروب، يركز على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي للغة العربية .  
 كما تم تصنيع محلي لمنتجات اتصالات متقدمة مثل معدات الجيل الخامس (5G) بالتعاون مع شركتي هواويو ، وزد تي إي الصينيتين .  

*الاستثمارات الصناعية *  
تستهدف الصين تعزيز وجودها في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، حيث تم إنشاء مصانع لتصنيع السيارات الكهربائية والهواتف المحمولة، مستفيدةً من المزايا الضريبية والقرب من الأسواق العالمية .  
و بلغت الاستثمارات الصينية المباشرة في مصر 9 مليارات دولار بنهاية 2024، مع وجود أكثر من 2000 شركة صينية تعمل في قطاعات مثل التصنيع والطاقة .  
و أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي عن تطلع مصر لجذب استثمارات صينية في التكنولوجيا الخضراء وتوطين الصناعات عالية التقنية، مثل أشباه الموصلات .  


يعكس التعاون التكنولوجي المصري الصيني استراتيجية مشتركة لتحقيق التكامل بين الموارد المصرية كموقع جغرافي استراتيجي وكوادر بشرية والخبرة الصينية في التصنيع والابتكار. هذا التحالف لا يعزز فقط البنية التحتية التكنولوجية لمصر، بل يفتح آفاقًا جديدة للشراكة في مجالات مستقبلية مثل الفضاء والذكاء الاصطناعي، مما يسهم في تحويل مصر إلى مركز إقليمي للتكنولوجيا وفقًا لرؤية 2030 .
فيما يشير التعاون العسكري المصري-الصيني تحولًا إستراتيجيًا في سياسة القاهرة نحو تنويع التحالفات وتجنب التبعية لمورد واحد، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية والقيود الغربية. 
من جهتها، تستفيد الصين من هذه الشراكة لتعزيز وجودها العسكري في منطقة حيوية، مما قد يُعيد رسم تحالفات القوى في الشرق الأوسط. مع استمرار التوترات الإقليمية، يُتوقع أن يشهد هذا التعاون مزيدًا من التعمق، سواء عبر صفقات تسليح كبيرة أو تدريبات مشتركة أكثر تعقيدًا .