السرطان يختبر «بايدن» فى خريف العمر

لم يكن الأسبوع الأخير عاديًا فى حياة جو بايدن، الرئيس الأمريكى السابق، الذى وجد نفسه أمام تحد شخصى لا يقل قسوة عن كل ما واجهه فى مسيرته الطويلة، فقد كشفت فحوص طبية روتينية خضع لها فى الأيام الماضية عن إصابته بنوع عدوانى من سرطان البروستاتا، بعد أن لاحظ أطباؤه وجود «عقدة صغيرة» وتزايدًا فى الأعراض البولية.
ووفقًا لما أعلنه المتحدث الرسمى باسم بايدن، فقد تم تأكيد إصابته يوم الجمعة الماضى بعد تشخيص أظهر أن الورم يحمل درجة 9 على مقياس جليسون -وهى أعلى درجات العدوانية فى تصنيف السرطان- وأن المرض قد انتشر إلى العظام، ورغم أن هذه التطورات تعكس خطورة الحالة، إلا أن الأطباء أشاروا إلى أن الورم ما زال حساسًا للهرمونات، مما يعنى إمكانية السيطرة عليه باستخدام علاجات هرمونية فعالة.
وقال المتحدث: «على الرغم من أن هذا يمثل شكلاً أكثر عدوانية من المرض، إلا أن السرطان يبدو حساسًا للهرمونات، مما يسمح بالإدارة الفعالة»، وأضاف أن الرئيس وعائلته يناقشون حاليًا خيارات العلاج مع فريقه الطبى.
أثار الخبر موجة من الدعم والتضامن من مختلف الشخصيات السياسية الأمريكية والعالمية، الرئيس السابق دونالد ترامب، والذى خاض أمام بايدن إحدى أكثر المعارك السياسية قسوة قال: «أنا وميلانيا نشعر بالحزن لسماع التشخيص الطبى الأخير لجو بايدن، نقدم أطيب تمنياتنا لجيل وعائلتها، ونتمنى لجو الشفاء العاجل والناجح».
من جانبها، عبرت كامالا هاريس، نائبة بايدن السابقة والتى أصبحت المرشحة الديمقراطية للرئاسة بعد انسحابه من السباق، عن تضامنها العاطفى، قائلة: «جو مقاتل، وأعلم أنه سيواجه هذا التحدى بنفس القوة والمرونة والتفاؤل الذى لطالما ميّز حياته وقيادته، نأمل أن يتعافى تمامًا وبسرعة».
القلق على صحة بايدن لم يقتصر على الداخل الأمريكى، بل وصل إلى العواصم الأوروبية، حيث قال رئيس الوزراء البريطانى السير كير ستارمر: «أنا آسف للغاية لسماع أن بايدن مصاب بسرطان البروستاتا. كل التوفيق لجو وزوجته جيل وعائلتهما».
وكان بايدن، البالغ من العمر 82 عامًا، قد أمضى يومًا فى أحد مستشفيات فيلادلفيا الأسبوع الماضى بعد اكتشاف الورم، ليبدأ مسارًا جديدًا من الفحوص والتقييمات، هذا التشخيص يأتى فى وقت شديد الحساسية، بعد أشهر فقط من انسحابه من السباق الرئاسى لعام 2024، إثر مناظرة وصفت بالكئيبة مع ترامب.
ورغم حصوله على شهادة صحية «سليمة» من طبيبه فى العام الماضى، أكد خلالها الدكتور كيفن أوكونور أنه «لا توجد مخاوف جديدة»، فإن الأسابيع الأخيرة شهدت تصاعدًا فى المخاوف بشأن قدرته الجسدية والعقلية، وهى انتقادات لم تغب عن المشهد حتى بعد مغادرته البيت الأبيض.
فى فبراير 2024، قال طبيبه «إن بايدن بصحة جيدة، ولم يظهر الفحص الطبى أى مخاوف جديدة، وهو لا يزال لائقًا لأداء واجبه»، غير أن المستجدات الأخيرة تنسف تلك الطمأنات الطبية وتعيد فتح باب النقاش حول صحته فى آخر فصول مسيرته.
ويصنف سرطان البروستاتا بناءً على درجة «جليسون»، التى تقيس مدى تشابه الخلايا السرطانية مع الخلايا الطبيعية، على مقياس من 1 إلى 10، ودرجة 9 التى حصل عليها بايدن تعد «عالية الدرجة»، بحسب أبحاث السرطان فى المملكة المتحدة، ومع انتشار الورم إلى العظام، يصبح العلاج أكثر تعقيدًا، لأن الخلايا السرطانية قد لا تكون متجاوبة فى كل مواقع الجسم، ويصعب على الأدوية الوصول إلى كل الأورام، لكن، بحسب أطباء بايدن، فإن وجود استجابة للعلاج الهرمونى يمنح الأمل فى إدارة فعالة للحالة.
بعيدًا عن التشخيص، ظل بايدن طيلة الأشهر الأخيرة بعيدًا عن الأضواء، بعد انسحابه من الحياة السياسية إثر نهاية رئاسته، إلا أن الجدل لم يهدأ، فقد تناول كتاب جديد للصحفيين جيك تابر وأليكس تومسون بعنوان «الخطيئة الأصلية» تفاصيل مثيرة، ادعى فيها المؤلفان أن مساعدى بايدن بذلوا جهدًا كبيرًا لحجب تراجع شعبيته وذهنه عن الرأى العام، وزعم الكتاب أن الرئيس نسى فى إحدى المرات اسم الممثل جورج كلونى، وأن زوجته جيل أدت دورًا مركزيًا فى حمايته، وكانت تكمل جُمَله أحيانًا نيابة عنه، بايدن بدوره وصف هذه الادعاءات بأنها «كاذبة تمامًا ولا تستند لأى دليل».
وقد فجر الكتاب جدلًا جديدًا داخل الحزب الديمقراطى، حيث اتهم بيتو أورورك، النائب الديمقراطى السابق، بايدن بـ«الفشل فى خدمة البلاد فى أهم وظيفة كان يشغلها»، أما السيناتور كريس مورفى، فقد قال قبل الإعلان عن التشخيص بساعات: «كان من الخطأ من جانب الديمقراطيين عدم الاستماع إلى الناخبين فى وقت سابق».
لكن أمام مرض السرطان، تتلاشى الانقسامات، ويظهر البعد الإنسانى بوضوح، الرئيس الأسبق باراك أوباما قال: «لم يبذل أحد جهدًا أكبر من جو لإيجاد علاجات مبتكرة للسرطان بجميع أشكاله، أنا متأكد من أنه سيواجه هذا التحدى بعزيمته ولطفه المعهود»، فيما كتبت هيلارى كلينتون: «أفكر فى عائلة بايدن وهم يكافحون السرطان، وهو مرض بذلوا قصارى جهدهم لحماية عائلات أخرى منه، أتمنى لكم الشفاء العاجل والكامل».
هذه ليست المرة الأولى التى يواجه فيها جو بايدن صراعًا مع مرض السرطان، ولكنها المرة الأكثر حميمية، فقد شكلت وفاة ابنه «بو» بسرطان الدماغ ألمًا شخصيًا عميقًا وجه أجندته الرئاسية، خاصة حين تعهّد عام 2022 بجعل «القضاء على السرطان» هدفًا وطنيًا رئيسيًا، اليوم، تتقاطع السياسة مع المصير الشخصى، ويتحول بايدن من صانع سياسة إلى مريض يواجه تجربة تشبه تمامًا ما حاول حمايتنا منه.