بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مصر التي لا تنحني بفضل رجالها العظام

كلما أطل علينا الثالث والعشرون من أغسطس، شعرت أن هذا اليوم ليس مجرد رقم على التقويم، بل امتحان ضمير للأمة كلها، ففي مثل هذا اليوم الثالث والعشرين من أغسطس، يتوقف عقرب الزمن قليلا ليعيد إلى أذهاننا مشاهد الخلود.

يوم رحيل سعد باشا زغلول ومصطفى باشا النحاس لم يكن مجرد يوم موت، بل كان يوما أعلنت فيه مصر أنها لا تدفن رجالها الكبار، بل تزرعهم في ترابها بذورا تبقى خضراء في ذاكرة الأجيال.

أشعر دائما أن هذا التاريخ هو موعد مع الضمير، امتحان يضع كل مصري أمام نفسه؛ هل ما زلنا أهلا للرسالة التي حملها هؤلاء العمالقة؟

سعد زغلول لم يكن رجلا من لحم ودم فقط، بل كان أشبه ببركان تفجر من قلب الأمة، حين نادى بالحرية، ارتجت شوارع القاهرة والقرى على السواء، كأن صوته كان جرسا سحريا أيقظ النائمين.

كان يختصر مصر كلها في قامته: شموخ الفلاح، صلابة العامل، وجرأة المثقف، وحين اعتقله الإنجليز، لم يسجنوا فردا، بل حاولوا عبثا أن يسجنوا روح أمة.

لذلك ظل اسمه حتى اليوم يتردد كأغنية لا تموت، لأن كلماته لم تكن خطابا سياسيا، بل كانت صرخة حياة، ثم جاء مصطفى النحاس، وكأن القدر أراد أن يضع للعاصفة عقلا يحكمها.

إذا كان سعد هو البركان، فالنحاس كان النهر الهادئ الذي يعرف كيف يشق طريقه بين الصخور، امتلك صبرا عجيبا على المناورات، ووعيا يجعله يرى أبعد من خصومه.

كان يؤمن أن الزعامة ليست في رفع الصوت، بل في القدرة على حماية الدستور وسط عواصف القصر وضغوط الاحتلال، لذلك لم يكن النحاس مجرد وريث لسعد، بل كان تجسيدا لفكرة أعمق؛ أن الوطنية فعل يومي طويل النفس، لا لحظة انفجار عاطفي.

أما فؤاد باشا سراج الدين، فقد كان الشعلة التي حملت بقايا النار لتصل إلى جيل آخر، كان رجلا يعرف أن الوطنية ليست رواية تروى للتسلية، بل معركة مستمرة.

واجه القسوة بصمت الرجال الكبار، ولم يسمح للنكبات أن تنال من عزيمته، كان كجدار من حجر يحفظ ما بناه السابقون، ليبقى الوفد فكرة لا تنطفئ حتى في أحلك الظروف.

لكنني حين أنظر من نافذة الحاضر، لا أكتفي بالبكاء على الأطلال؛ إن الوطن لا يحتاج لمن يبكي عليه، بل لمن يكتب فصوله الجديدة، وهنا تبرز قيمة الدكتور عبدالسند يمامة، رئيس حزب الوفد الحالي؛ هو امتداد حي لذلك الإرث، لكن بروح جديدة تناسب زمننا.

ما يميزه أنه لا يتعامل مع الوفد كأيقونة معلقة على جدار الماضي، بل كمشروع مستمر، يحتاج إلى عقل يحافظ على جذوره، ويمنحه أجنحة ليحلق من جديد.

حين يتحدث يمامة عن الوفد أشعر أن الرجل لا يكرر كلمات محفوظة، بل ينفخ فيها حياة جديدة؛ مدحي له ليس مجاملة، بل إقرار بأن الرجل، في مشهد سياسي مرتبك، اختار أن يسير على خطى الكبار بصدق وإيمان، دون صخب أو ادعاء.

إن يوم 23 أغسطس بالنسبة لي ليس يوما للحداد، بل يوما لاختبار ذاكرتنا الوطنية، هل ما زلنا نتذكر أن هؤلاء الرجال لم يبحثوا عن مناصب، بل عن وطن يليق بالحرية؟ 

هل ما زلنا نملك الجرأة لنقول إن السياسة لا قيمة لها إذا لم تكن مرادفا للوطنية؟ للأسف، كثير من حاضرنا يصر على عكس ذلك، حيث تحولت الوطنية عند البعض إلى شعار أجوف أو بطاقة صعود إلى السلطة.

وهنا يزداد شعوري بالغضب، لأن ميراث سعد والنحاس وسراج الدين لا يستحق أن يختزل في لافتات واحتفالات، لقد علمونا أن الوطنية ليست خطابا يلقى من فوق منبر، وإنما فعل شاق يحتاج إلى رجال يتقدمون الصفوف.

سعد زغلول كتب فصلا بدماء الجماهير، النحاس حمى الدستور كأنه يحمي قلب الأمة، وسراج الدين صمد كجدار يحول دون سقوط البيت؛ واليوم نحن مطالبون أن نكتب فصلا جديدا يليق بأسمائهم.

الوطن يشبه شجرة عملاقة: جذورها في تضحيات الماضي، وأغصانها في تحديات الحاضر، وإذا أهملنا الجذور، فلن تبقى الأغصان خضراء. لذلك حين أرى عبدالسند يمامة يحاول أن يعيد الحياة لحزب الوفد، أشعر أن هذه الشجرة لا تزال قادرة على النمو، وأن مصر لن تنحني طالما فيها رجال يختارون الطريق الصعب: طريق الوطنية بلا مساومة.

اليوم، الثالث والعشرون من أغسطس ليس محطة حزن بل جرس إنذار، يقول لنا: انتبهوا، الزعامة ليست وجوها في كتب التاريخ، بل مسؤولية حية يجب أن تتحملوها.

مصر لا تحتاج لمن يروي قصصا عن الأمس فقط، بل لمن يصنع اليوم ما يجعل الغد أفضل، وإذا كان سعد والنحاس وسراج الدين قد حملوا الراية من قبل، فإن عبدالسند يمامة ومن يسير على نهجه هم من يحاولون أن يثبتوا أن مصر، مهما قست الأيام، لا تنحني ولا تموت.