بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

اتجاه

«ترامب»... وعكسه!

عند انقضاء الـ100 يوم الأولى، فى رئاسته الثانية، قبل أسبوعين، ادعى الرئيس الأمريكى، رونالد ترامب، على نفسه وعلى الأمريكيين جميعهم، بكل ثقة وافتخار و«عنترية»، أنه حقق إنجازات ضخمة، لم يشهدها شعب الولايات المتحدة الأمريكية، مع أى من الرؤساء الـ46، أولئك الذين سبقوه إلى البيت الأبيض، وكان واحدًا منهم الـ45، فى ولايته الرئاسية الأولى، 20 يناير 2017. ومع حقيقة أنه نجح فى نواحٍ اقتصادية وسياسية سريعة، ربما لمسها الأمريكيون فعلًا، مع تراجع معدلات التضخم، وحسم مسألة الهجرة... إلخ، غير أن ما صدره من فوضى وارتباك، كانت الأكثر تأثيرًا وخسارة، على المستويين المحلى والدولى، ولو لحين معلوم.

«ترامب»... الرئيس الـ47، مع ما يتمتع به - من دون الرؤساء السابقين - من صراحة وشجاعة فى الفعل والكلام، لكن أكثر ما ينتقص من مساره وممارساته الرئاسية، أنه فقد بوصلة الالتزام، بما قطعه على نفسه من وعود انتخابية، وربما أفرط أحيانًا فى تبنى العكس تمامًا، كما لو أنك أمام «ترامب» آخر، غير «ترامب» الذى تعهد سابقًا، حتى إنه بدا «ديكتاتورًا»، على غير الطريقة الأمريكية التى تأسست على الديمقراطية فى الإدارة، عندما أسرف فى إصدار القرارات التنفيذية فى كل اتجاه، ما يتعلق بالشأن الأمريكى وتجاوزه للشأن الدولى، من دون التشاور مع مستشاريه، بينما جنب كل المؤسسات المتخصصة، ولم يعبأ بدورها الوظيفى فى الحكم.

ما يثير الدهشة والتساؤل، ضمن ظاهرة التقلبات والتحديات، التى يتسلح بها خطاب «ترامب»، يحيرنا أمره فى التراجع السريع، عما تحدث به وقت السباق الانتخابى، عن عزمه إنهاء التورط الأمريكى فى الخارج، وإعادته القوات والجنود إلى البلاد، وكان هذا الوعد محل ترحيب دولى واسع، لأن معناه تهدئة التوترات والصراعات حول العالم، ما كانت تشعلها الاستخبارات فى أى مكان، حماية للمصالح ولأمن أمريكا القومى. إنما انقلب الرجل على وعده، وتبنى مواقف عنيفة، أشعلت معارك جديدة، مثلما جرت فى اليمن ضد «الحوثيين»، وتهديد «حماس» فى قطاع غزة، ما أعطى ضوءًا لإسرائيل أن توسع عدوانها فى المنطقة، بخلاف خطاباته التصعيدية ضد الصين وبنما وكندا.

وقياسًا على نفس التوجهات، وما استجده «ترامب» الرئيس، من قرارات أثارت جدلًا خارجيًا، وداخل المجتمع الأمريكى نفسه، مثلًا الرسوم الجمركية، وكلامه عن ضم كندا، والاستيلاء على «غزة» و»جرينلاند» وقناة «بنما»... وحكاية المرور المجانى من قناة السويس، ودون ذلك من تصرفات تعكس حالة من الفوضى، نشعر معها بأن حقيقة ما نشهده حاليًا، هو صراع بين «ترامب» المرشح الذى وعد بالثورة، و»ترامب» الرئيس الذى تقيده بيروقراطية السلطة، وأجبرته على ألا يتمادى فيما ألزم نفسه به سابقًا، ومن ثم تماثل متهورًا لصالح «أمريكا عظيمة»، ولو على حساب الآخرين، الذين يتسابق بعضهم على رضاه، وبالمقابل الذى يحدده.

لكن... ورغم ما عند الرئيس «ترامب» من مطامع فى الثروات والامتيازات حول العالم، يبقى هذا الرئيس محل دراسة، طالما كل همه وعمله، يجرى لمصلحة بلاده، على عكس الرؤساء الذين يبرعون فى إهدار مقدرات أوطانهم ومعاداة شعوبهم. ولو سلمنا بأن «ترامب» بالفعل هو حالة الوعد وعكسه، لكن تجاهله لإسرائيل حاليًا، يظل هاجسًا يطارد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذى يقلقه أكثر، كلما ظل التواصل «ممسوكًا»، مع «حماس» فى غزة، و»الحوثيون» فى اليمن، ومع «إيران» فى مفاوضات برنامجها النووى، وهى خطوات تسجل لـ»ترامب»، صفعة قوية لإسرائيل... نأمل أن يعكس صداها، بداية لسياسة أمريكية أكثر عدالة فى المنطقة.

[email protected]