بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الزاد

التيك - توكرز بين شرف الكلمة وسيف القانون دفاعا عن الوطن

ليست المعركة اليوم على حدود جغرافية ولا على ساحات القتال التقليدية، بل على شاشات مضيئة بحجم الكف، تحمل أصواتا قد ترفع الأمم أو تسقطها؛ في زمن صار فيه التيك - توكر قادرا على تحريك الرأي العام في دقيقة، باتت الكلمة سلاحا يوازي المدفع، وقد يتجاوز أثرها حدود المعركة إلى عمق الوعي الجمعي.

هنا، في قلب هذا الصخب الرقمي، يقف الوطن أمام سؤال مصيري: كيف نحافظ على حرية التعبير بلا أن نتركها فريسة للفوضى؟ وكيف نصون القانون من أن يتحول إلى سوط على ظهور المبدعين؟

في زمن صار فيه الهاتف الذكي أخطر من المدفع، والكلمة أسرع من الرصاصة، يقف التيك - توكرز في صدارة المشهد الرقمي، يملكون التأثير على ملايين العقول خلال ثوان معدودة؛ ما بين بريق الشهرة وإغراء المشاهدات، وبين مسؤولية الانتماء للوطن، تتشكل معركة حاسمة لا تحسم إلا بميزان دقيق يجمع حرية التعبير بصرامة القانون.

حرية التعبير حق أصيل لا يقبل المساومة، لكنها إذا انفلتت تحولت إلى فوضى تفتح أبواب الإساءة والتضليل؛ التيك - توكر الواعي يدرك أن القانون ليس عدوا للحرية، بل حارسها الأمين، يضع خطوطا حمراء لا لحجب الضوء، بل لحمايته من أن يتحول إلى نار تحرق البيت من الداخل.

شهد العالم نماذج صارخة لهذا التوازن الصعب؛ ففي الولايات المتحدة، أيدت المحكمة العليا قرارات تقييد بعض التطبيقات الأجنبية حين اعتبرت تهديدا للأمن القومي، لتؤكد أن الحرية بلا حماية تتحول إلى ثغرة يستغلها الخصوم.

وفي دول أخرى، تدخلت السلطات لوقف محتوى تجاوز حدود النقد المشروع إلى إهانة القيم أو التحريض على الفتنة، لأن المجتمع بلا ضوابط يتحول إلى ساحة فوضى لا منتصر فيها.

وفي مصر اليوم، يقف التيك - توكرز على مفترق طرق حقيقي؛ فالمنصة التي تمنحهم صوتا قويا وحرية انتشار، هي نفسها التي قد تسحقهم تحت قلم القانون وراية "القيم".

في أغسطس 2025، شنت وزارة الداخلية حملة أمنية واسعة أسفرت عن توقيف ما لا يقل عن ثمانية أشخاص، بتهم مثل “الإخلال بالحياء العام” و"تهديد قيم الأسرة"، وهي اتهامات تفتقر إلى تحديد قانوني صارم.

بالتوازي، أمهلت السلطات منصة تيك - توك لتعديل سياساتها بما يتماشى مع "المعايير الثقافية المصرية" أو مواجهة الحجب الكامل؛ هنا تتجلى أزمة الحرية المحاطة بالغموض القانوني؛ محتوى قد يكون نافذة للإبداع يتحول إلى ذريعة للتهديد تحت لافتة القيم، بينما يظل معيار التجريم غير محدد.

هذه الإجراءات، مهما قيل إنها لحماية المجتمع، تمس الحق الدستوري في التعبير، وتحول الساحة الرقمية إلى ميدان ترهيب لا منصة حوار؛ فالقانون المصري — بصياغاته الفضفاضة مثل "الإضرار بالقيم الأسرية" أو "الإخلال بالحياء العام" — يستخدم أحيانا ضد صناع المحتوى الشباب بشكل انتقائي، غالبا دون تعريف واضح للجريمة أو ضمانات لمحاكمة عادلة. تقنين المحتوى ضرورة، لكن الكارثة حين يصبح التشريع غامضا والعقوبة جاهزة، فيتحول سلاح الكلمة من أداة بناء للوطن إلى أسير في قفص القيود.

وفي أوطاننا، المعادلة أكثر حساسية؛ لا نملك ترف الانقسام أو العبث بالمشاعر الوطنية؛ كل مقطع قد يلهم جيلا أو يضلل أمة، وكل كلمة قد تبني وعيا أو تهدمه؛ هنا يصبح التيك - توكر شريكا في صناعة مستقبل الوطن، لا مجرد باحث عن "ترند" عابر.

رسالتي واضحة: أنتم على ثغر من ثغور الوطن؛ التزموا بصدق الكلمة ونزاهة الرسالة، وكونوا مثالا لمن يستخدم المنصة لنشر الوعي لا الفوضى؛ اجعلوا القانون رفيقا لا خصما، واعتبروا كل متابع أمانة في أعناقكم. فالتأثير مسؤولية لا يليق بها العبث.

إن قوة الأوطان تبدأ من قوة خطابها ومناعة وعي أبنائها؛ وإذا كان التيك - توكر يمتلك المنبر، فعليه أن يدرك أن الكلمة قد تبني حصنا أو تهدمه؛ فاختاروا البناء، فالأوطان لا تصان إلا حين تكون الحرية سلاح الشرفاء والقانون درعا يحمي الجميع.

هذا موقفي بلا مواربة: مع حرية التعبير التي ترفع راية الوطن، وضد أي تفلت يحول المنصة إلى أداة للفوضى أو معولا لهدم ما نبنيه بعرق الأجيال؛ من أراد أن يكون صوتا مسموعا، فليكن على قدر الأمانة، وليتذكر دائما أن الوطن أكبر من أي "لايك" وأعظم من كل "مشاهدة".