ونس الدكة
رحلة إلى المتحف
ادخر فى الثامن عشر من شهر مايو من كل عام ابتسامة طفولية وشريط من الذكريات الجميلة، فحينما يحتفل العالم فى هذا التاريخ باليوم العالمى للمتاحف، يعود شغفى وفرحى بعبارة صغيرة كانت تقولها بصوت محبب أبلة ليلى أمينة المكتبة فى مدرسة الفلكى الإعدادية فى منطقة باب اللوق القاهرية: الخميس القادم «رحلة إلى المتحف»، وكانت هذه الرحلة لأمثالى من أبناء طبقة الموظفين البسطاء بمثابة الحدث الأهم على مدار العام، فهى الأغلى روحياً والأرخص مادياً، فخلال تلك الفترة أوائل الثمانينات من القرن الماضى زرت واستمتعت وعرفت الكثير عن المتحف الإسلامى والمتحف القبطى ومتحف محمود خليل ومتحف الشرطة بالقلعة والمتحف المصرى فى قلب ميدان التحرير.
ولازال تأثير جملة «رحلة إلى المتحف» والمكونة من ثلاث كلمات فقط، على نفسى بمثابة السحر الجميل، الذى يأتى مفعولة على شكل متعة بصرية لكل أنواع الفنون من مخطوطات وأقمشة وزخارف وتماثيل وأدوات معيشية وصور فوتوغرافية، صنعت بأنامل الأجداد محتفظة بروعتها على الرغم من تتابع السنين والعصور.
وهناك العديد من المتاحف التى تستحق من شبابنا أن ينفقوا يوماً لزيارتها والتمتع بمقتنياتها، فعلى سبيل المثال وليس الحصر أدعوهم لزيارة «متحف النسيج المصرى» ويقع فى «شارع المعز» وبالتحديد قرب حى بين القصرين، بسبيل محمد على، ويعتبر متحف النسيج الأول من نوعه فى الشرق الأوسط، وترتيبه الرابع عالميا.
ويضم المتحف مجموعة من المقتنيات الفريدة والنادرة، تم جمعها من أماكن مختلفة وعصور متنوعة عن طريق الاكتشافات الأثرية، ليحمل تلك الرسائل التاريخية، وكل ما يتعلق بصناعة النسيج من العصر الفرعونى مرورا بكافة العصور التاريخية حتى عصر الدولة الحديثة متمثلة فى دولة محمد على، ويضم المتحف ما يقارب من 250 قطعة نسيج و15 سجادة.
أما متحف الجمعية الجغرافية فهو عزف منفرد فى حب مصر والكائن بمبنى الجمعية الجغرافية فى شارع القصر العينى، حيث سيجد أبناؤنا فى هذا المتحف ذخيرة نفيسة من التراث الإنساني؛ المصرى والشرقى والإفريقى.
وتعد قاعة القاهرة للعادات والتقاليد المصرية أبرز مكونات المتحف، وتُعنى بتمثيل وتسجيل صناعات وخدمات الحياة اليومية لمختلف الشرائح المجتمعية فى مدينة القاهرة، خلال الفترة من القرن الثامن عشر وحتى أوائل القرن العشرين الميلادى، وتشمل هذه القاعة على عدة أقسام مختلفة، تُشكل فى مجموعها لوحة مُجسدة عن شمائل وعادات أهل العاصمة المصرية، وأهمها قسم أدوات التدخين ويحتفظ هذا القسم بأدوات التدخين فى القرون السابقة على القرن العشرين، مثل النرجيلات والجِوز. وقسم أدوات الحلاقة والزينة الذى يحفل بمجموعة نادرة من أدوات الحلاقة منها على سبيل المثال «حمل الحلاق»، وهو وعاء يحمل فيها الحلاق أدواته على أكتافه عارضًا على الناس خدماته، وكان الحلاق يجول بحمله فى الموالد والأسواق.
ويعتبر الحلى وأدوات السحر من أهم مقتنيات المتحف كالأساور الذهبية المفرغة والنحاسية المنقوشة، فضلاً عن مقتنيات الطقوس السحرية التى تشتهر بها مصر، ومن أبرزها مجموعة كاملة من الأوانى السحرية المعروفة بـ«طاسة الخضة»، ويفخر متحف الجمعية الجغرافية باحتفاظه بالعديد من النماذج للآلات الموسيقية والملاهى والألعاب الشعبية التى اندثرت اليوم، وأهمها «صندوق الدنيا»، وهو صندوق خشبى يعرض من خلال ثلاثين صورة قصص للأطفال.
ويتضمن المتحف كذلك ضمن قسم الأعياد والأفراح والمواكب الدينية المحمل النبوى الشريف المؤرخ بحُكم الملك فؤاد الأول، مصنوع من قماش الحرير الأحمر الثقيل، وقد كان المحمل يخرج من مصر، ثم يعود مرة أخرى إليها بعد الحج، حاملاً الكسوة القديمة للكعبة بعد إبدالها بالجديدة، أيضاً هناك فى قاعة العادات والتقاليد الشعبية المصرية حيزًا مخصصًا لعرض مجموعات من الأثاث العربى والمفروشات المنزلية الشرقية، التى كانت يومًا جزءًا من البيوتات الزاهرة فى القاهرة القديمة وأصبحت فى طى النسيان.
كما تحتفظ قاعة القاهرة الثانية بنماذج من أنماط الحرف والصناعات المصرية الأصيلة، وخاصة المهن اليدوية التى مارسها المصريون على مر العصور كصناعة النحاس وخراطة الخشب والنسج اليدوى، والتى كانت سائدة فى القاهرة ثم اندثر أغلبها بعد انتشار نمط الصناعات الحديثة. ويحتفظ المتحف كذلك بمجموعة من اللوحات الأصلية التى رسمها العلماء المصاحبون للحملة الفرنسية إبان حملتهم على مصر (1798-1801م) وتصور الصُنّاع المصريون إبان عملهم فى الحرف اليدوية المختلفة.
وأخيراً ليت أبنائى من طلبة المدارس والجامعات يؤمنوا أن جملة «رحلة إلى المتحف» هى قسم وجدانى لكل ما هو مبهر ومبهج فى بلدهم المحروسة مصر، مما يجعلهم يتشبثوا بهويتهم ويدافعون عنها ضد تيارات التغريب والعولمة والسوشيال ميديا الغازية لتراثهم وحضارتهم الذى لا يوجد مثيله فى العالم أجمع.