تأملات
غزة وجولة ترامب!
رغم الصخب الحاصل حول جولة الرئيس الأمريكى ترامب الخليجية، إلا أن الموضوع الرئيسى الذى يفرض نفسه على أجندة هذه الجولة ذلك السؤال الذى جعلته «بى بى سي» على رأس موضوعاتها ويدور حول مدى إسهام تلك الجولة فى وقف حرب غزة.
لا يمكن إنكار أن هناك تحركات أمريكية مستقلة عن الحكومة الإسرائيلية، أو أن هناك توترًا أمريكيًّا إسرائيليًّا على خلفية قضايا عدة خاصة بالمنطقة، يعكس نفسه فى العديد من التطورات التى تعبر فى النهاية عن طبيعة شخصية ترامب الحادة والتصادمية. ومن هذه التطورات مثلًا التوصل إلى ترتيبات مع الحوثيين بعيدًا عن إسرائيل، وكذلك الإفراج عن الجندى الإسرائيلى الأمريكى الأسير بمفاوضات مستقلة مع حماس.
لكن تصور أن الجولة يمكن أن تنتهى إلى وقف الحرب ربما يعد تفاؤلًا مبالغًا فيه. ومن المؤكد أنه سيكون من بين القضايا التى سيبحثها ترامب مع قادة الخليج خلال لقائه معهم الجمعة فى القمة المزمع عقدها. مسوغات الرأى الذى نذهب إليه عديدة على رأسها أن التوتر المشار إليه بين تل أبيب وواشنطن لحظى وتكتيكى وليس استراتيجيًّا، هو اختلاف فى الوسائل وليس الغايات. من ناحية ثانية فإن التصور العام، وهو حقيقى إلى حد كبير، أن دول الخليج التى يزورها ترامب ليس لديها الإرادة الحقيقية للضغط على ترامب من أجل اتخاذ موقف عادل ونزيه تجاه ما يجرى فى غزة. صحيح أن لديها الأدوات التى يمكن أن تضغط من خلالها لتحقيق ذلك الأمر، ولكن حجم التشابك فى المصالح وتقاطع الرؤى بشأن مسار الوضع فى غزة ربما يؤدى فى النهاية إلى تصور قطاع رئيسى فى الخليج بأن القضية الفلسطينية خاصة فى الشق المتعلق بغزة أصبح عبئًا يجب التخلص منه.
لا يعنى ذلك أن غزة ستخرج خالية الوفاض من جولة ترامب إذا صح التعبير، ولكن الحصاد سيكون هزيلًا وربما يشكل قيدًا مستقبليًّا على الأوضاع فيها لجهة تحقيق وضع هو أقرب إلى التصورات الأمريكية من كونه وضعًا لصالح القضية الفلسطينية ككل.
وإذا كان هذا هو التصور العام الذى نراه، فإن ما تكشف حتى الآن من مصادر مختلفة مقربة بشأن المطروح على طاولة المناقشات يعزز ذلك. فالمطروح وحسب تقرير «بى بى سي» الذى أشرنا إليه، لا يشمل أى شيء بخصوص إقامة دولة فلسطينية، رغم كل الأمانى بأن تعيد السعودية مثلًا إحياء فكرة تحالف فكرة حل الدولتين ومحاولة اكتساب تأييد ترامب لها، كما أن المطروح كذلك مبادرة لإعادة الإعمار خليجية أيضًا برعاية أمريكية تتحمل كلفتها دول الخليج رغم أن الذى دمر القطاع هو إسرائيل، والمقترح أن تمنح إدارة العملية لمؤسسات محلية تكنوقراطية أو بإشراف دولى. وقد تقترح هذه الدول نشر قوات حفظ سلام عربية أو مراقبين دوليين فى غزة بعد انتهاء الحرب لضمان الاستقرار.
بمنظور المدى القصير فإن البعض سيرى فى ذلك إنجازًا كبيرًا إذا أدى فى الأجل القريب إلى وقف للنار فى غزة، وربما تشجع الإدارة الأمريكية ذلك باعتبار أن الحرب على غزة طالت أكثر مما ينبغى وأن تحقيق أهدافها إسرائيليًّا بات أمرًا متعذرًا سواء بتهجير الفلسطينيين أو احتلال غزة بالكامل. لكن بمنظور المدى الطويل، فإن ذلك إذا تحقق يمثل تنازلًا جديدًا على صعيد القضية الفلسطينية من المؤكد أنه سيؤدى إلى ضعف وضعها المستقبلى كثيرًا.
بمنطق ليس فى الإمكان أبدع مما كان، وبروح الاستنفار الشعبى على المقاومة والتى تم تخليقها خاصة فى الإطار الإقليمى لجولة ترامب، فإن ذلك ربما يعتبره البعض انتصارًا فيما لن يراه آخرون سوى إضافة جديدة لخيباتنا المتواصلة!